مر عجوز على مجموعة من الفتية كانوا
جالسين يتنادمون، و يتجاذبون أطراف اللهو، و يمرحون، فوقف على رؤوسهم ما
يقارب الساعة ثم قال لهم: الدهر يومان، يوم لك و يوم عليك و مضى لحال
سبيله، و عاود الفتية إلى سيرتهم الأولى و لم يعرْه أحد منهم أي بال و لا
لكلماته أي قيمة.
و في اليوم التالي وجدهم على نفس الحال، فكرر عليهم ما قال بالأمس تمام ثم مضى لحاله.
و في اليوم الثالث مر عليهم فلم يجد
منهم إلا واحداً كان جالساً كأنما ينتظر أحداً ما، فلما أن دنا منه العجوز،
نهض من جلسته تلك و قال: بالله عليك يا عم، قلْ لي لمَ كلما مررت علينا
قلتَ: الدهر يومان، يوم لك و يوم عليك.
اتكأ العجوز على عصاه و قال: أي بني انظر لحالي تعرف سر مقالي.
فقال الفتى: لم أفهم بعد يا عم.
فقال العجوز: هل ترى ذاك الطير؟
قال: نعم.
فقال العجوز: هل ترى كيف يعلو في الجو بعيداً، ثم على قدر علوه لا بد له أن يهبط؟
فهل تعلم لمً؟
قال الفتى: لا.
قال:العجوز: تلك حكمة الله في خلقه، جعل
لكل بداية نهاية، و لكل علو هبوط، و لكل قوة ضعف، و لكل مسرة حزن، ثم جعل
للإنسان فؤاد يعقل حتى يدرك المغزى من كل ذاك.
فإن فهمه كانت أيام دهره له لا عليه، و إن لم يفهمه كانت عليه لا له.
ألم تقرأ قوله تعالى: ( قُلْ سيروا في الأرض فانظروا كيف بدا الخلقَ ثم اللهُ ينشئُ النشأةَ الآخرة إن اللهَ على كل شيء قدير ) العنكبوت 20
و ألم تسمع بقول الشاعر حين قال:
لكل شيء إذا ما تم نقصـــــان ×× فلا يغتر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول ×× من سره زمن ســاءته أزمان
و ألم تسمع بقول بعض الحكماء حين قالوا:
الدنيا كالماء المالح كلما ازداد صاحبها شرباً ازداد عطشاً، أو كحلم
النائم يفرح في منامه فإذا استيقظ زال فرحه.
و إني و الله رأيتكم كلما مررت عليكم أن أيام دهركم عليكم لا لكم، فأحببت أن أجعلها لكم لا عليك حتى لا تندمون كما ندمت أنا.
فقال الفتى: من أنت يا عم؟
قال العجوز: ما أنا إلا عابر سبيل، كانت أيام دهره عليه لا له.
آهٍ يا بني قد كنت أعمى فبصرت، و أصماً فبرئت، و ضعيفا فقويت، و جاهلاً فعلمت، و مريضاً فشفيت، و لكن بعد أن وقعت.
حسبي بعلمي إن نفع ×× ما الـــذل إلا في الطمع
من راقــــب الله رجع ×× عن سوء ما كان صنع
ما طـــار طير وارتفع ××إلا كما طــــــــــار وقع
يروى أن رجلاً جاء إلى الإمام أبى حنيفة ذات ليلة، وقال له: يا إمام! منذ مدة طويلة دفنت مالاً في مكان ما، ولكني نسيت هذا المكان، فهل تساعدني في حل هذه المشكلة؟فقال له الإمام: ليس هذا من عمل الفقيه؛ حتى أجد لك حلاً. ثم فكرلحظة وقال له: اذهب، فصل حتى يطلع الصبح، فإنك ستذكر مكان المال إن شاء الله تعالى.فذهب الرجل، وأخذ يصلي. وفجأة، وبعد وقت قصير، وأثناء الصلاة، تذكر المكان الذي دفن المال فيه، فأسرع وذهب إليه وأحضره.وفي الصباح جاء الرجل إلى الإمام أبى حنيفة ، وأخبره أنه عثر على المال، وشكره ، ثم سأله: كيف عرفت أني سأتذكر مكان المال ؟! فقال الإمام: لأني علمت أن الشيطان لن يتركك تصلي ، وسيشغلك بتذكر المال عن صلاتك.
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.