(متجدد) سلسلة حكايات الف ليله و ليله

DeletedUser32224

Guest
الليلة الثانية والأربعين



تكملة حكاية مزين بغداد



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين الخامس قال :
إني آمر بعض الخدامين أن يرمي كيساً فيه خمسمائة دينار للمواشط فإذا أخذته آمرهن أن يدخلنني عليها لا أنظر إليها ولا أكلمها احتقاراً لها لأجل أن يقال أني عزيز النفس حتى تجيء أمها وتقبل رأسي ويدي وتقول لي يا سيدي انظر جاريتك فإنها تشتهي قربك فأجبر خاطرها بكلمة فلم أرد عليها جواباً ولم تزل كذلك تستعطفني حتى تقوم وتقبل يدي ورجلي مراراً ،
ثم تقول : يا سيدي إن بنتي صبية مليحة ما رأت رجلاً فإذا رأت منك الانقباض انكسر خاطرها فمل إليها وكلمها .
ثم إنها تقوم وتحضر لي قدحاً وفيه شراباً ثم إن ابنتها تأخذ القدح لتعطيني فإذا جاءتني تركتها قائمة ،
بين يدي وأنا متكئ على مخدة مزركشة بالذهب لأنظر إليها من كبر نفسي وجلالة قدري حتى تظن في نفسها أني سلطان عظيم الشأن فتقول :
يا سيدي بحق الله عليك ، لا ترد القدح من يد جاريتك .


فلا أكلمها فتلح علي وتقول : لا بد من شربه .
وتقدمه إلى فمي فأنفض يدي في وجهها وأرفسها وأعمل هكذا .
ثم أرفس أخي برجله فجاءت في قفص الزجاج وكان في مكان مرتفع فنزل على الأرض فتكسر كل ما فيه .
ثم قال أخي هذا كله من كبر نفسي ولو كان أمره إلى أمير المؤمنين لضربته ألف سوط
وشهرته في البلد ثم بعد ذلك صار أخي يلطم على وجهه ومزق ثيابه وجعل يبكي ويلطم على وجهه والناس ينظرون إليه وهم رائحون إلى صلاة الجمعة فمنهم من يرمقه ومنهم من لم يفكر فيه ،
وهو على تلك الحالة وراح منه رأس المال والربح ولم يزل جالساً يبكي وإذا بامرأة مقبلة إلى صلاة الجمعة وهي بديعة الجمال تفوح منها رائحة المسك ، وتحتها بغلة بردعتها من الديباج مزركشة بالذهب ومعها عدد من الخدم
فلما نظرت إلى الزجاج وحال أخي وبكائه أخذتها الشفقة عليه ورق قلبها له وسألت عن حاله فقيل لها :
إنه كان معه طبق زجاج يتعيش منه فانكسر منه فأصابه ما تنظريه .


فنادت بعض الخدام وقالت له : ادفع الذي معك إلى هذا المسكين .
فدفع له صرة ، فأخذها فلما فتحها وجد فيها خمسمائة دينار فكاد أن يموت من شدة الفرح ، واقبل أخي بالدعاء لها ثم عاد إلى منزله غنياً وقعد متفكراً وإذا بدق يدق الباب فقام وفتح وإذا بعجوز لا يعرفها ، فقالت له :
يا ولدي اعلم أن الصلاة قد قرب زوال وقتها وأنا بغير وضوء وأطلب منك أن تدخلني منزلك حتى أتوضأ .
فقال لها : سمعاً وطاعة .

ثم دخل أخي وأذن لها بالدخول وهو طائر من الفرح بالدنانير فلما فرغت أقبلت إلى الموضع الذي هو جالس فيه وصلت هناك ركعتين ثم دعت لأخي دعاء حسناً شكرها على ذلك وأعطاها دينارين فلما رأت ذلك قالت :
سبحان الله أني أعجب ما أحبك وأنت بسمة الصعاليك فخذ مالك عني وإن كنت غير محتاج إليه فأردده إلى التي أعطتك إياه لما انكسر الزجاج منك .


فقال لها أخي : يا أمي كيف الحيلة في الوصول إليها ?
قالت : يا ولدي إنها تميل إليك لكنها زوجة رجل موسر فخذ جميع مالك معك فإذا اجتمعت بها فلا تترك شيئاً من الملاطفة والكلام الحسن إلا وتفعله معها فإنك تنال من جمالها ومن مالها ، جميع ما تريد .
فأخذ أخي جميع الذهب وقام ومشى مع العجوز ،
وهو لا يصدق بذلك فلم تزل تمشي وراءها حتى وصلا إلى باب كبير فدقته فخرجت جارية رومية فتحت الباب ، فدخلت العجوز وأمرت أخي بالدخول فدخل دار كبيرة فلما دخلها رأى فيها مجلساً كبيراً مفروشاً وسائد مسبلة .
فجلس أخي ووضع الذهب بين يديه ووضع عمامته على ركبته فلم يشعر إلا وجارية أقبلت ما رأى مثلها الراؤون وهي لابسة أفخر القماش فقام أخي على قدميه فلما رأته ضحكت في وجهه وفرحت به ،
ثم ذهبت إلى الباب وأغلقته ثم أقبلت على أخي وأخذت يده ومضيا جميعاً إلى أن أتيا إلى حجرة منفردة فدخلاها وإذا هي مفروشة بأنواع الديباج فجلس أخي وجلست بجانبه ولاعبته ساعة زمانية ثم قامت وقالت له :
لا تبرح حتى أجيء إليك .


وغابت عنه ساعة فبينما هو كذلك إذ دخل عليه عبد أسود عظيم الخلقة ومعه سيف مجرد يأخذ لمعانه بالبصر وقال لأخي :
يا ويلك من جاء بك إلى هذا المكان يا أخس الإنس يا ابن الزنا وتربية الخنا .
فلم يقدر أخي أن يرد عليه جواباً بل انعقد لسانه في تلك الساعة ، فأخذه العبد وأعراه ولم يزل يضربه بالسيف صحفاً ضربات متعددة أكثر من ثمانين ضربة إلى أن سقط من طوله على الأرض فرجع العبد عنه واعتقد أنه مات وصاح صيحة عظيمة بحيث ارتجت الأرض من صوته ودوى له المكان وقال :
أين الميلحة ?


فأقبلت إليه جارية في يدها طبق مليح فيه ملح أبيض فصارت الجارية تأخذ من ذلك الملح وتحشر الجراحات التي في جلد أخي حتى تهورت وأخي لا يتحرك خيفة أن يعلموا أنه حي فيقتلوه ثم مضت الجارية
وصاح العبد صيحة مثل الأولى فجاءت العجوز إلى أخي وجرته من رجليه إلى سرداب طويل مظلم ورمته فيه على جماعة مقتولين فاستقر في مكانه يومين كاملين ، وكان الله سبحانه وتعالى جعل الملح سبباً لحياته
لأنه قطع سيلان عروق الدم . فلما رأى أخي في نفسه القوة على الحركة قام من السرداب وفتح طاقة في الحائط وخرج من مكان القتلى وأعطاه الله عز وجل الستر فمشى في الظلام واختفى في هذا الدهليز إلى الصبح

فلما كان وقت الصبح خرجت العجوز في طلب سيد آخر فخرج أخي في أثرها وهي لا تعلم به حتى أتى منزله ولم يزل يعالج نفسه حتى بريء ولم يزل يتعهد العجوز وينظر إليها كل وقت وهي تأخذ الناس واحد بعد واحد وتوصلهم إلى تلك الدار وأخي لا ينطق بشيء ثم لما رجعت إليه صحته وكملت قوته عمد إلى خرقة وعمل منها كيساً وملأه زجاجاً وشد في وسطه وتنكر حتى لا يعرفه أحد ولبس ثياب العجم وأخذ سيفاً وجله تحت ثيابه فلما رأى العجوز


قال لها بكلام العجم : يا عجوز هل عندك ميزان يسع تسعمائة دينار ?
فقالت العجوز : لي ولد صغير صيرفي عنده سائر الموازين فامض معي إليه قبل أن يخرج من مكانه حتى يزن لك ذهبك .
فقال أخي : امشي قدامي .
فسارت وسار أخي خلفها حتى أتت الباب فدقته فخرجت الجارية وضحكت في وجهه .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة الرابعة والأربعين


تكملة حكاية مزين بغداد

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين لما صفع صاحب الدار قال له الرجل :
ما هذا يا أسفل العالمين ?
فقال : يا سيدي أنا عبدك الذي أنعمت عليه وأدخلته منزلك وأطعمته الزاد وأسقيته الخمر العتيق فسكر وعربد عليك ومقامك أعلى من أن تؤاخذه بجهل .
فلما سمع صاحب المنزل كلام أخي ضحك ضحكاً عالياً ثم قال : إن لي زماناً طويلاً أسخر بالناس وأهزأ بجميع أصحاب المزاح والمجون ما رأيت منهم من له طاقة على أن أفعل به هذه السخرية ولا من له فطنة يدخل بها في جميع أموري غيرك والآن عفوت عنك ، فكن نديمي على الحقيقة ولا تفارقني .


ثم أمر بإخراج عدة من أنواع الطعام المذكورة أولاً فأكل هو وأخي حتى اكتفيا ثم انتقلا إلى مجلس الشراب فإذا فيه جوار كأن به الأقمار فغنين بجميع الألحان واشتغلن بجميع الملاهي ثم شربا حتى غلب عليهما السكر وأنس الرجل بأخي حتى كأنه أخوه وأحبه محبة عظيمة ، وخلع عليه خلعة سنية . فلما أصبح الصباح عادا لما كانا عليه من الأكل والشرب ولم يزالا كذلك مدة عشرين سنة ثم أن الرجل مات وقبض السلطان على ماله واحتوى عليه فخرج أخي من البلد هارباً فلما وصل إلى نصف الطريق خرج عليه العرب فأسروه وصار الذي أسره يعذبه ويقول له :
اشتر روحك مني بالأموال وإلا أقتلك .
فجعل أخي يبكي ويقول : أنا والله لا أملك شيئاً يا شيخ العرب ، ولا أعرف طريق شيء من المال وأنا أسيرك وصرت في يدك فافعل بي ما شئت .


فأخرج البدوي الجبار من حزامه سكيناً عريضة لو نزلت على رقبة جمل لقطعتها من الوريد إلى الوريد وأخذها في يده اليمنى وتقدم إلى أخي المسكين وقطع بها شفتيه وشك عليه في المطالبة وكان للبدوي زوجة حسنة وكان إذا خرج البدوي تتعرض لأخي وتراوده عن نفسه وهو يمتنع حياء من الله تعالى فاتفق أن راودت أخي يوماً من الأيام فقام ولاعبها وأجلسها في حجره فبينما هما كذلك وإذا بزوجها داخل عليهما فلما نظر إلى أخي قال له :
ويلك يا خبيث أتريد الآن أن تفسد علي زوجتي .
وأخرج سكيناً فطعنه بها وحمله على جمل وطرحه فوق جبل وتركه وسار إلى حال سبيله فجاز عليه المسافرون فعرفوه فأطعموه وأسقوه وأعلموني بخبره فذهبت إليه وحملته ، ودخلت به المدينة ورتبت له ما يكفيه وها أنا جئت عندك يا أمير المؤمنين وخفت أن أرجع إلى بيتي قبل إخبارك ، فيكون ذلك غلطاً وورائي ستة أخوة وأنا أقوم بهم .


فلما سمع أمير المؤمنين قصتي وما أخبرته به عن أخوتي ، ضحك وقال : صدقت يا صامت أنت قليل الكلام ما عندك فضول ولكن الآن أخرج من هذه المدينة وأسكن غيرها .
ثم نفاني من بغداد فلم أزل سائراً في البلاد حتى طفت الأقاليم إلى أن سمعت بموته وخلافة غيره فرجعت إلى المدينة فوجدته مات ووقعت عند هذا الشاب وفعلت معه أحسن الفعال ولولاي أنا لقتل وقد اتهمني بشيء ما هو في جميع ما نقله عني من الفضول وكثرة الكلام وكثافة الطبع وعدم الذوق باطل يا جماعة . ثم قال الخياط لملك الصين ، فلما سمعنا قصة المزين وتحققنا فضوله وكثرة كلامه وأن الشاب مظلوم معه أخذنا المزين وقبضنا عليه وحبسناه وجلسنا حوله آمنين ثم أكلنا وشربنا وتمت الوليمة على أحسن حالة ولم نزل جالسين إلى أن أذن العصر فخرجت وجئت منزلي وعشيت زوجتي فقالت :
إن طول النهار ، في حظك وأنا قاعدة في البيت حزينة فإن لم تخرجي وتفرجني بقية النهار كان ذلك سبب فراقي منك .


فأخذتها وخرجت بها وتفرجنا إلى العشاء ثم رجعنا فلقينا هذا الأحدب والسكر طافح منه وهو ينشد هذين البيتين :

رق الزجاج وراقت الخمر ........ فتشابها وتشاكـل الأمـر
فكأنما خـمـر ولا قـدح ........ وكأنما قدح ولا خـمـر


فعزمت عليه فأجابني وخرجت لأشتري سمكاً مقلياً فاشتريت ورجعت ثم جلسنا نأكل ، فأخذت زوجتي لقمة وقطعة سمك وأدخلتهما فمه وسدته فمات فحملته وتحايلت حتى رميته في بيت هذا الطبيب وتحايل الطبيب ، حتى رماه في بيت المباشر الذي رماه في طريق السمسار وهذه قصة ما لقيته البارحة أما هي أعجب من قصة الحدب .
فلما سمع ملك الصين هذه القصة أمر بعض حجابه أن يمضوا مع الخياط ويحضروا المزين وقال لهم :
لابد من حضوره لأسمع كلامه ويكون ذلك سبباً في خلاصكم جميعاً ، وندفن هذا الأحدب ونواريه في التراب فإنه ميت من أمس ثم نعمل له ضريحاً لأنه كان سبباً في اطلاعنا على هذه الأخبار العجيبة .
فما كان إلا ساعة حتى جاءت الحجاب هم والخياط بعد أن مضوا إلى الحبس وأخرجوا منه المزين وساروا به إلى أن أوقفوه بين يدي هذا الملك ، فلما رآه تأمله فإذا هو شيخ كبير جاوز التسعين أسود الوجه أبيض اللحية والحواجب مقرطم الأذنين طويل الأنف في نفسه كبر فضحك الملك من رؤيته وقال :
يا صامت أريد أن تحكي لي شيئاً من حكاياتك .


فقال المزين : يا ملك الزمان ما شأن هذا النصراني وهذا بطريق اليهودي وهذا المسلم وهذا الأحدب بينكم ميت وما سبب هذا الجمع .
فقال له ملك الصين : وما سؤالك عن هؤلاء ?
فقال : سؤالي عنهم حتى يعلم الملك أني غير فضولي ولا أشتغل بما لا يعنيني ، وإنني بريء مما اتهموني به من كثرة الكلام ، وأن لي نصيباً من اسمي حيث لقبوني بالصامت كما قال الشاعر :

وكلما أبصرت عيناك ذا لقب ........ إلا ومعناه أن فتشت في لقبي

فقال الملك : اشرحوا للمزين حال هذا الأحدب وما جرى له في وقت العشاء واشرحوا له ما حكى النصراني وما حكى اليهودي وما حكى الخياط .
فحكوا له حكايات الجميع فحرك المزين رأسه وقال : والله إن هذا الشيء عجيب اكشفوا لي عن هذا الأحدب فكشفوا له عنه فجلس عند رأسه وأخذ رأسه في حجره ونظر في وجهه وضحك ضحكاً عالياً حتى انقلب على قفاه من شدة الضحك وقال :
لكل موتة سبب من الأسباب وموتة هذا الأحدب من عجب العجاب يجب أن تؤرخ في المسجلات ليعتبر بما مضى ومن هو آت .
فتعجب الملك من كلامه وقال : يا صامت إحك لنا سبب كلامك هذا .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة الخامسة والأربعين

تكملة حكاية مزين بغداد
وبداية حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس



قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد ، أن الملك قال :
يا صامت احك لنا سبب كلامك هذا .
فقال المزين : يا ملك وحق نعمتك أن الأحدب فيه الروح .
ثم إن المزين أخرج من وسطه مكحلة فيها دهن ودهن رقبة الأحدب وغطاها حتى عرقت ثم أخرج كلبتين من حديد ونزل بهما في حلقة فالتقطتا قطعة السمك بعظمها فلما أخرجها رآها الناس بعيونهم ثم نهض الأحدب واقفاً على قدميه وعطس عطسة واستفاق في نفسه وملس بيديه على وجهه وقال :
لا إله إلا الله محمد رسول الله .


فتعجب الحاضرون من الذي رأوه وعاينوه ، فضحك ملك الصين حتى غشي عليه وكذلك الحاضرون وقال السلطان :
والله إن هذه القصة عجيبة ما رأيت أغرب منها .
ثم إن السلطان قال : يا مسلمين يا جماعة العسكر ، هل رأيتم في عمركم أحداً يموت ثم يحيا بعد ذلك ولولا رزقه الله بهذا المزين لكان اليوم من أهل الآخرة فإنه كان سبباً لحياته .
فقالوا : والله إن هذا من العجب العجاب .
ثم إن ملك الصين أمر أن تسطر هذه القصة فسطروها ثم جعلوها في خزانة الملك ثم خلع على اليهودي والنصراني والمباشر وخلع على كل واحد خلعة سنية وجعل الخياطة خياطه ورتب له الرواتب ، وأصلح بينه وبين الأحدب وخلع على الأحدب خلعة سنية مليحة ورتب له الراتب وجعله نديمه وأنعم على المزين وخلع عليه خلعة سنية ورتب له الرواتب ، وجعل له جامكية وجعله مزين المملكة ونديمه ولم يزالوا في ألذ العيش وأهناه إلى أن آتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وليس هذا بأعجب من قصة الوزيرين ، التي فيها ذكر أنيس الجليس .





قال الملك شهريار : وما حكاية الوزيرين ?

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أنه كان بالبصرة ملك من الملوك يحب الفقراء والصعاليك ويرفق بالرعية ويهب من ماله لمن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وكان يقال لهذا الملك محمد بن سليمان الزيني وكان له وزيران أحدهما يقال له المعين ابن ساوي والثاني يقال له الفضل بن خاقان وكان الفضل ابن خاقان أكرم أهل زمانه حسن السيرة أجمعت القلوب على محبته ،
واتفقت العقلاء على مشورته وكل الناس يدعون له بطول مدته لأنه محضر خير مزيل الشر والضير وكان الوزير معين بن ساوي يكره الناس ولا يحب الخير وكان محضر سوء ، وكان الناس على قدر
محبتهم لفضل الدين ابن خاقان يبغضون المعين بن ساوي بقدرة القادر ثم إن الملك محمد بن سليمان الزيني كان قاعداً يوماً من الأيام على كرسي مملكته وحوله أرباب دولته إذ نادى وزيره الفضل بن خاقان وقال له :
إني أريد جارية لا يكون في زمانها أحسن منها بحيث تكون كاملة في الجمال ، فائقة في الاعتدال حميدة الخصال .


فقال أرباب الدولة : هذه لا توجد إلا بعشرة آلاف دينار .
فعند ذلك صاح السلطان على الخازندار وقال : احمل عشرة آلاف دينار ، إلى دار الفضل بن خاقان .
فامتثل الخازندار أمر السلطان ونزل الوزير بعدما أمره السلطان أن يعمد إلى السوق في كل يوم ويوصي السماسرة على ما ذكره وأنه لا تباع جارية ثمنها فوق الألف دينار حتى تعرض على الوزير فلم تبع السماسرة جارية حتى يعرضوها عليه فامتثل الوزير أمره ، واستمر على هذا الحال مدة من الزمان ولم تعجبه جارية فاتفق يوماً من الأيام أن بعض السماسرة أقبل على دار الوزير الفضل بن خاقان فوجده راكباً متوجهاً إلى قصر الملك فقبض على ركابه وأنشد هذين البيتين :

يا من أعاد رميم الملك منـشـورا ........ أنت الوزير الذي لا زال منصورا
أحييت ما مات بين الناس من كرم ........ لا زال سعيك عند الله مشكـورا
ثم قال : يا سيدي إن الجارية التي صدر بطلبها المرسوم الكريم قد حضرت .


فقال له الوزير : علي بها .
فغاب ساعة ثم حضر ومعه جارية رشيقة القد قاعدة النهد بطرف كحيل وخد أسيل وخصر نحيل وردف ثقيل وعليها أحسن ما يكون من الثياب ورضابها أحلى من الجلاب وقامتها تفضح غصون البان وكلامها أرق من النسيم إذا مر على زهر البستان كما قال فيها بعض واصفيها هذه الأبيات :

لها بشر مثل الحرير ومنـطـق ........ رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
وعينان قال الله كونا فكـانـتـا ........ فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
فيا حبها زدني جوى كـل لـيلة ........ ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
ذوائبها ليل ولكـن جـبـينـها ........ إذا أسفرت يوم يلوح به الفجر


فلما رآها الوزير أعجبته غاية الإعجاب فالتفت إلى السمسار وقال له :
كم ثمن هذه الجارية ?
فقال : وقف سعرها على عشرة آلاف دينار وحلف صاحبها أن العشرة آلاف دينار لم تجيء ثمن الفراريج التي أكلتها ولا ثمن الخلع التي خلعتها على معلميها فإنها تعلمت الخط والنحو واللغة والتفسير وأصول الفقه والدين والطب والتقويم والضرب بالآلات المطربة .
فقال الوزير : علي بسيدها .

فأحضره السمسار في الوقت والساعة فإذا هو رجل أعجمي عاش زمناً طويلاً حتى صيره الدهر عظماً في جلد .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة السادسة والأربعين

تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العجمي صاحب الجارية لما حضر بين يدي الوزير الفضل بن خاقان قال له الوزير :
رضيت أن تأخذ في هذه الجارية عشرة آلاف دينار من السلطان محمد بن سليمان الزيني ?
فقال العجمي : حيث كانت للسلطان فالواجب علي ان أقدمها إليه هدية بلا ثمن . فعند ذلك أمر بإحضار الأموال فلما حضرت وزن الدنانير للعجمي ثم أقبل النخاس على الوزير وقال :
عن إذن مولانا الوزير أتكلم .
فقال الوزير : هات ما عندك .


فقال : عندي من الرأي أن لا تطلع بهذه الجارية إلى السلطان في هذا اليوم ، فإنها قادمة من السفر واختلفت عليها الهواء وأتعبها السفر ولكن خلها عندك في القصر عشرة أيام حتى تستريح فيزداد جمالها ثم أدخلها الحمام وألبسها أحسن الثياب وأطلع بها إلى السلطان فيكون لك في ذلك الحظ الأوفر .
فتأمل الوزير كلام النخاس فوجده صواباً فأتى بها إلى قصره وأخلى لها مقصورة ورتب لها كل ما تحتاج إليه من طعام وشراب وغيره فمكثت مدة على تلك الرفاهية وكان للوزير الفضل بن خاقان ولد كأنه البدر إذا أشرق بوجه أقمر وخد أحمر وعليه خال كنقطة عنبر وفيه عذار أخضر كما قال الشاعر في مثله هذه الأبيات :

ورد الخدود ودونه شوك القـنـا ........ فمن المحدث نفسه أن يجتـنـى
لا تمدد الأيدي إليه فـطـالـمـا ........ شنوا الحروب لأن مددنا الأعينـا
يا قلبه القاسـي ورقة خـصـره ........ هلا نقلت إلى هنا مـن هـنـا
لو كان رقة خصره في قـلـبـه ........ ما جار قط على المحب ولا جنى
يا عاذلي في حبه كـن عـاذري ........ من لي بجسم قد تملكه الضنـى
ما الذنب إلا للفـؤاد ونـاظـري ........ لولاهما ما كنت في هذا العنـى


وكان الصبي لم يعرف قضية هذه الجارية وكان والده أوصاها وقال لها :
يا بنتي اعلمي أني ما اشتريتك إلا سرية للملك محمد بن سليمان الزيني وإن لي ولداً ما ترك صبية في الحارة إلا فعل بها ، فاحفظي نفسك منه وأحذري أن تريه وجهك أو تسمعيه كلامك .
فقالت الجارية : السمع والطاعة .


ثم تركها وانصرف ، واتفق بالأمر المقدر أن الجارية دخلت يوماً من الأيام الحمام الذي في المنزل وقد حماها بعض الجواري ولبست الثياب الفاخرة فتزايد حسنها وجمالها ودخلت على زوجة الوزير فقبلت يدها فقالت لها :
نعيماً يا أنيس الجليس كيف حالك في هذا الحمام ?
فقالت : يا سيدتي ما كنت محتاجة إلا إلى حضورك فيه .
فعند ذلك قالت سيدة البيت للجواري : هيا بنا ندخل الحمام .
فامتثلن أمرها ومضين وسيدتهن بينهن وقد وكلت بباب المقصورة التي فيها أنيس الجليس جاريتين صغيرتين وقالت لهما :
لا تمكنا أحد من الدخول على الجارية .
فقالتا : السمع والطاعة .
فبينما أنيس الجليس قاعدة في المقصورة وإذا بابن الوزير الذي اسمه علي نور الدين قد دخل وسأل عن أمه وعن العائلة ، فقالت له الجاريتان :
دخلوا الحمام .


وقد سمعت الجارية أنيس الجليس كلام علي نور الدين بن الوزير وهي من داخل المقصورة ، فقالت في نفسها :
ياترى ما شأن هذا الصبي الذي قال لي الوزير عنه أنه ما خلا بصبية في الحارة الا وأوقعها والله أني أشتهي أن أنظره .
ثم أنها نهضت على قدميها وهي بأثر الحمام وتقدمت جهة باب
المقصورة ونظرت إلى علي نور الدين فإذا هو كالبدر في تمامه فأورثتها النظرة ألف حسرة ولاحت من الصبي التفاتة إليها فنظرها نظرة اورثته ألف حسرة ووقع كل منهما في شرك هوى الآخر ، فتقدم الصبي إلى الجاريتين وصاح عليهما فهربتا من بين يديه ووقفا من بعيد ينظرانه وينظران ما يفعل ، وإذا به تقدم من باب المقصورة وفتحه ودخل على الجارية وقال لها :
أنت التي اشتراك أبي ?
فقالت له : نعم .


فعند ذلك تقدم الصبي إليها وكان في حال السكر وشبكت يدها في عنقه واستقبلته بتقبيل وشهيق فأزال بكارتها فلما رأت الجاريتان سيدهما الصغير داخلاً على الجارية أنيس الجليس صرختا وكان قد قضى الصبي حاجته وفر هارباً للنجاة من الخوف عقب الفعل الذي فعله .
فلما سمعت سيدة البيت صراخ الجاريتين مضت من الحمام والعرق يقطر منها وقالت :
ما سبب هذا الصراخ الذي في الدار .
فلما قربت من الجاريتين اللتين أقعدتهما على باب المقصورة قالت لهما :
ويلكما ما الخبر .
فلما رأياها قالتا : إن سيدي نور الدين جاء وضربنا فهربنا منه فدخل أنيس الجليس وعانقها ولا ندري أي شيء عمل بعد ذلك ، فلما صحا هرب .
فعند ذلك تقدمت سيدة البيت إلى أنيس الجليس وقالت لها : ما الخبر ?
فقالت لها : يا سيدتي أنا قاعدة وإذا بصبي جميل الصورة دخل علي وقال لي : أنت التي اشتراك أبي لي ? فقلت نعم والله يا سيدتي اعتقدت أن كلامه صحيح فعند ذلك أتى إلي وعانقني .
فقالت لها : هل فعل بك شيء غير ذلك ?
قالت : نعم ، وأخذ مني ثلاث قبلات .
فقالت : ما تركك من غير افتضاض .


ثم بكت ولطمت على وجهها هي والجواري خوفاً على علي نور الدين أن يذبحه أبوه ، فبينما هم كذلك وإذا بالوزير دخل وسأل عن الخبر فقالت له زوجته : أحلف أن ما أقوله لك تسمعه .
قال : نعم .
فأخبرته بما فعله ولده فحزن ومزق ثيابه ولطم على وجهه ونتف لحيته ، فقالت له زوجته :
لا تقتل نفسك أنا أعطيك من مالي عشرة آلاف دينار ثمنها .
فعند ذلك رفع رأسه إليها وقال لها : ويلك أنا ما لي حاجة بثمنها ولكن خوفي أن تروح روحي ومالي .
فقالت له : يا سيدي ما سبب ذلك ?
فقال لها : أما تعلمين أن وراءنا هذا العدو الذي يقال له : المعين بن ساوي ، ومتى سمع هذا الأمر تقدم إلى السلطان وقال له ..

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة السابعة والأربعين

تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قال لزوجته :
أما تعلمين أن وراءنا عدواً يقال له المعين بن ساوي ومتى سمع بهذا الأمر تقدم إلى السلطان وقال له : إن وزيرك الذي تزعم أنه يحبك أخذ منك عشرة آلاف دينار واشترى بها جارية ما رأى أحد مثلها فلما أعجبته قال لابنه : خذها أنت أحق بها من السلطان فأخذها وأزال بكارتها وها هي الجارية عنده فيقول الملك تكذب فيقول للملك عن إذنك أهجم عليه وآتيك بها فيأذن له في ذلك فيهجم على الدار ويأخذ الجارية ويحضرها بين يدي السلطان ثم يسألها فلا تقدر أن تنكر فيقول له يا سيدي أنت تعلم أني ناصح لك ولكن ما لي عندكم حظ فيمثل بي السلطان والناس كلهم يتفرجون علي وتروح روحي .


فقالت له زوجته : لا تعلم أحد وسلم أمرك إلى الله في هذه القضية فعند ذلك سكن قلب الوزير وطاب خاطره .
هذا ما كان من أمر الوزير ، وأما ما كان من أمر علي نور الدين فإنه خاف عاقبة الأمر فكان يقضي نهاره في البساتين ولا يأتي إلا في آخر الليل لأمه فينام عندها ويقوم قبل الصبح ولا يراه أحد ، ولم يزل كذلك شهراً وهو لم ير وجه أبيه ، فقالت أمه لأبيه :
يا سيدي هل تعدم الجارية وتعدم الولد ، فإن طال هذا الأمر على الولد هج .
قال لها : وكيف العمل ?
قالت : أسهر هذه الليلة فإذا جاء فأمسكه واصطلح أنت وإياه وأعطه الجارية إنها تحبه وهو يحبها وأعطيك ثمنها .
فسهر الوزير طول الليل فلما أتى ولده أمسكه وأراد نحره فأدركته أمه وقالت له :
أي شيء تريد أن تفعل معه ?
فقال لها : أريد أن أذبحه .
فقال الولد لأبيه : هل أهون عليك ?
فتغرغرت عيناه بالدموع وقال له : يا ولدي كيف هان عليك ذهاب مالي وروحي ? فقال الصبي : اسمع يا والدي مقال الشاعر :

هبني جنيت فلم تزل أهل النهـي ........ يهبون للجاني شماحـاً شـامـلا
ماذا عسى يرجو عدوك وهو فـي ........ درك الحضيض وأنت أعلى منزلا


فعند ذلك قام الوزير من على صدر ولده وأشفق عليه وقام الصبي وقبل يد والده فقال : يا ولدي لو علمت أنك تنصف أنيس الجليس كنت وهبتها لك .


فقال : يا والدي كيف لا أنصفها ؟
قال : أوصيك يا ولدي أنك لا تتزوج عليها ولا تضاررها ولا تبعها .
قال له : يا والدي أنا أحلف لك أن لا أتزوج عليها ، ولا أبيعها .
ثم حلف له أيماناً على ما ذكر ودخل على الجارية فأقام معها سنة ، وأنسى الله تعالى الملك قصة الجارية . وأما المعين بن ساوي فإنه بلغه الخبر ولكنه لم يقدر أن يتكلم لعظم منزلة الوزير عند السلطان فلما مضت السنة دخل الوزير فضل الدين بن خاقان الحمام وخرج وهو عرقان ، فأصابه الهواء فلزم الوساد وطال به السهاد وتسلسل به الضعف فعند ذلك نادى ولده علي نور الدين فلما حضر بين يديه قال له :
يا ولدي أن الرزق مقسوم والأجل محتوم ولا بد لكل نسمة من شرب كأس المنون وأنشد هذه الأبيات :

من فاته الموت لـم يفـتـه غـدا ........ والكل منا على حوض الردى وردا
سوى العظم بمن قد كان محتـقـرا ........ ولم يدع هبة بـين الـورى أحـدا
لم يبق من ملك كـلا ولا مـلـك ........ ولا نـبـي يعـيش دائمـاً أبــدا


ثم قال : يا ولدي مالي عندك وصية إلا تقوى الله والنظر في العواقب وأن تستوصي بالجارية أنيس الجليس .
فقال له : يا أبت ومن مثلك وقد كنت معروفاً بفعل الخير ودعاء الخطباء لك على المنابر .
فقال : يا ولدي أرجو من الله تعالى القبول .


ثم نطق الشهادتين وشهق شهقة فكتب من أهل السعادة فعند ذلك امتلأ القصر بالصراخ ووصل الخبر إلى السلطان وسمعت أهل المدينة بوفاة الفضل بن خاقان فبكت عليه الصبيان في مكاتبها ونهض ولده علي نور الدين وجهزه وحضرت الأمراء والوزراء وأرباب الدولة وأهل المدينة مشهده وكان ممن حضروا الجنازة الوزير المعين بن ساوي وأنشد بعضهم عند خروج جنازته من الدار هذه الأبيات :

قد قلت للرجل المولى غسلـه ........ هلا أطعت وكنت من نصائحه
جنبه ماءك ثم غسـله بـمـا ........ أذرت عيون المجد عند بكـائه
وأزل مجاميع الحنوط ونحهـا ........ عنه وحنطه بطـيب ثـنـائه
ومر الملائكة الكرام بحمـلـه ........ شرفاً ألست تراهموا بـإزائه
لاتوه أعناق الرجال بحمـلـه ........ يكفي الذي حملوه من نعمـائه


ثم مكث علي نور الدين ، شديد الحزن على والده مدة مديدة فبينما هو جالس يوماً من الأيام في بيت والده إذ طرق الباب طارق فنهض علي نور الدين وفتح الباب وإذا برجل من ندماء والده وأصحابه فقبل يد علي نور الدين ، وقال :
يا سيدي من خلف مثلك ما مات وهذا مصير سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم يا سيدي طب نفساً ودع الحزن .
فعند ذلك نهض علي نور الدين إلى قاعة الجلوس ونقل إليها ما يحتاج إليه واجتمع عليه أصحابه وأخذ جاريته واجتمع عليه عشرة من أولاد التجار ثم إنه أكل الطعام وشرب الشراب وجدد مقاماً بعد مقام وصار يعطي ويتكرم ، فعند ذلك دخل عليه وكيله وقال له :
يا سيدي علي نور الدين أما سمعت قول بعضهم من ينفق ولم يحسب افتقر ، ولقد أحسن من قال هذه الأبيات :

أصون دراهمي وأذب عنـهـا ........ لعلمي أنها سيفـي وتـرسـي
أأبذلهـا إلـى أعـدا الأعـادي ........ وأبذل في الورى سعدي بنحسي
فيأكلها ويشـربـهـا هـنـيئاً ........ ولا يسخو لي أحـد بـفـلـس
وأحفظ درهمي عن كل شخص ........ لئيم الطبع لا يصفو لأنـسـي
أحب إلي مـن قـول لـنـذل ........ أنلني درهماً لغـد بـخـمـس
فيعرض وجهه ويصـدعـنـي ........ فتبقى مثل نفس الكلب نفسـي
فيا ذل الرجـال بـغـير مـال ........ ولو كانت فضائلهم كشـمـس


ثم قال : يا سيدي النفقة الجزيلة والمواهب العظيمة تفني المال .
فلما سمع علي نور الدين من وكيله هذا الكلام نظر إليه وقال له : جميع ما قلته لا أسمع منه كلمة فما أحسن قول الشاعر :

أنا ما ملكت المال يوماً ولـم أجـد ........ فلا بسطت كفي ولا نهضت رجلي
فهاتوا بخيلاً نال مجداً بـبـخـله ........ وهاتوا أروني باذلاً مات من بـذل



ثم قال : اعلم أيها الوكيل أني أريد إذا فضل عندك ما يكفيني لغدائي أن لا تحملني هم عشائي .
فانصرف الوكيل من عنده إلى حال سبيله وأقبل علي نور الدين ما هو فيه من مكارم الأخلاق وكل من يقول له من ندمائه أن هذا الشيء مليح يقول هو لك هبة أو يقول سيدي أن الدار الفلانية مليحة يقول هي لك هبة ولم يزل علي نور الدين يعقد لندمائه وأصحابه في أول النهار مجلساً وفي آخره مجلساً ومكث على هذا الحال سنة كاملة فبينما هو جالساً يوماً وإذا بالجارية تنشد هذين البيتين :

أحسنت ظنك بالأيام إذا حسنـت ........ ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بهـا ........ عند صفو الليالي يحدث الكـدر


فلما فرغت من شعرها إذا بطارق يطرق الباب فقام علي نور الدين فتبعه بعض جلسائه من غير أن يعلم به فلما فتح الباب رآه وكيله فقال له علي نور الدين : ما الخبر ?
فقال له : يا سيدي الذي كنا أخافه عليك منه قد وقع لك .
قال : وكيف ذلك ?
قال : اعلم أنه ما بقي لك تحت يدي شيء يساوي درهماً ولا أقل من درهم وهذه دفاتر المصروف الذي صرفته ودفاتر أصل مالك .
فلما سمع علي نور الدين هذا الكلام أطرق رأسه إلى الأرض وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله .
فلما سمع الرجل الذي تبعها خفية ، وخرج ليسأل عليه وماقاله الوكيل رجع إلى أصحابه وقال لهم :
انظروا أي شيء تعملون فإن علي نور الدين قد أفلس .
فلما رجع إليهم علي نور الدين ظهر لهم الغم في وجهه فعند ذلك نهض واحد من الندماء على قدميه ، ونظر إلى علي نور الدين
وقال له : يا سيدي إني أريد أن تأذن لي بالانصراف .



فقال علي نور الدين : لماذا الانصراف في هذا اليوم ?
فقال : إن زوجتي تلد في هذه الليلة ولا يمكنني أن أتخلف عنها واريد أن أذهب إليها وأنظرها .
فأذن له ونهض آخر وقال له : يا سيدي نور الدين أريد اليوم أن أحضر عند أخي فإنه يطاهر ولده .
وكل واحد يستأذنه إلى حال سبيله حتى انصرفوا كلهم وبقي علي نور الدين وحده فعند ذلك دعا جاريته وقال :
يا أنيس الجليس أما تنظرين ما حل بي .
وحكى لها ما قاله الوكيل فقالت : يا سيدي منذ ليال هممت أن أقول لك على هذا الحال فسمعتك تنشد هذين البيتين :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بهـا ........ على الناس طرأ قبل ان تتفلت
فلا جود يفنيها إذا هي أقبلـت ........ ولا الشح يبقيها إذا هي ولـت


فلما سمعتك تنشدهما ولم أبد لك خطاباً .
فقال لها : يا أنيس الجليس أنت تعرفين أني ما صرفت مالي إلا على أصحابي وأظنهم لا يتركونني من غير مؤاساة .
فقالت أنيس الجليس : والله ما ينفعونك بنافعة .
فقال علي نور الدين : فأنا في هذه الساعة أقوم واروح إليهم وأطرق أبوابهم لعلي أنال منهم شيئاً فأجعله في يدي رأس مال وأتجر فيه وأترك اللهو واللعب . ثم إنه نهض من وقته وساعته وما زال سائراً حتى أقبل على الزقاق الذي فيه أصحابه العشرة وكانوا كلهم ساكنين في ذلك الزقاق ، فتقدم إلى أول باب وطرقه فخرجت له جارية وقالت له :
من أنت ?


فقال : قولي لسيدك علي نور الدين واقف في الباب ويقول لك مملوكك يقبل أياديك وينتظر فضلك .
فدخلت الجارية وأعلمت سيدها فصاح عليها وقال لها : ارجعي وقول له : ما هو هنا .
فرجعت الجارية إلى علي نور الدين وقالت له : يا سيدي إن سيدي ما هو هنا .
فتوجه علي نور الدين وقال في نفسه : إن كان هذا ولد زنا وأنكر نفسه فغيره ما هو ولد زنا .
ثم تقدم إلى الباب الثاني وقال كما قال أولاً فأنكر الآخر نفسه فعند ذلك أنشد هذا البيت :

ذهب الذين إذا وقفت ببابهـم ........ منوا عليك بما تريد من الندى

فلما فرغ من شعره قال : والله لا بد أن أمتحنهم كلهم عسى أن يكون فيهم واحد يقوم مقام الجميع ، فدار على العشرة فلم يجد أحداً منهم فتح له الباب ولا أراه نفسه ولا أمر له برغيف فأنشد هذه الأبيات :

المرء في زمن الإقبال كالشجرة ........ فالناس من حولها ما دامت الثمرة
حتى إذا أسقطت كل الذي حملت ........ تفرقوا وأرادوا غيرها شـجـرة
تباً لأبناء هذا الـدهر كـلهـم ........ فلم أجد واحداً يصفو من العشرة


ثم إنه رجع إلى جاريته وقد تزايد همه فقالت له : يا سيدي أما قلت لكإنهم لا ينفعونك بنافعة ?
فقال : والله ما فيهم من أراني وجهه .
فقالت له : يا سيدي بع من أثاث البيت شيئاً فشيئاً وأنفق .
فباع إلى أن باع جميع ما في البيت ولم يبق عنده شيء ، فعند ذلك نظر إلى أنيس الجليس وقال لها :
ماذا نفعل الآن ?


قالت له : يا سيدي عندي من الرأي أن تقوم في هذه الساعة وتنزل إلى السوق فتبيعني وأنت تعلم أن والدك كان قد اشتراني بعشرة آلاف دينار فلعل الله يفتح عليك ببعض هذا الثمن .
وإذا قدر الله باجتماعنا نجتمع ، فقال لها : يا أنيس الجليس ما يهون علي فراقك ساعة واحدة .
فقالت له : ولا أنا كذلك لكن للضرورة أحكام كما قال الشاعر :

تلجئ الضرورات في الأمور إلى ........ سلـوك مـا لا يلـيق بـالأدب
ما حامل نفسه عـلـى سـبب ........ إلا لأمـر يلـيق بـالـسـبـب

فعند ذلك أخذت دموع أنيس الجليس تسيل على خديه ، ثم أنشد هذين البيتين :

قفوا زودوني نظرة قبل فراقكم ........ أعلل قلباً كاد بالبـين يتـلـف
فإن كان تزويدي بذلك كـلفة ........ دعوني في وجدي ولا تتكلفوا


ثم مضى وسلمها إلى الدلال وقال له : أعرف مقدار ما تنادي عليه .
فقال له الدلال : يا سيدي علي نور الدين الأصول محفوظة .
ثم قال له : أها هي أنيس الجليس الذي كان اشتراها والدك مني بعشرة آلاف دينار ?
قال : نعم .


فعند ذلك طلع الدلال إلى التجار فوجدهم لم يجتمعوا كلهم فصبر حتى اجتمع سائر التجار وامتلأ السوق بسائر أجناس الجواري من تركية ورومية وشركسية وجرجية وحبشية فلما نظر الدلال إلى ازدحام السوق نهض قائماً وقال :
يا تجار يا أرباب الأموال ما كل مدور جوزة ولا كل مستطيلة موزة ولا كل حمراء لحمة ولا كل بيضاء شحمة ولا كل صهباء خمرة ولا كل سمراء تمرة ، يا تجار هذه الدرة اليتيمة التي لا تفي الأموال لها بقية بكم تفتحون باب الثمن .
فقال واحد : بأربعة آلاف دينار وخمسمائة .
وإذا بالوزير المعين بن ساوي في السوق فنظر علي نور الدين واقفاً في السوق فقال في نفسه :
ما باله واقفاً فإنه ما بقي عنده شيء يشتري به جواري .
ثم نظر بعينيه فسمع المنادي وهو واقف ينادي في السوق والتجار حوله ، فقال الوزير في نفسه :
ما أظنه إلا أفلس ونزل بالجارية ليبيعها .
ثم قال في نفسه : إن صح ذلك فما أبرده على قلبي .


ثم دعا المنادي فأقبل عليه وقبل الأرض بين يديه فقال : إني أريد هذه الجارية التي تنادي عليها .
فلم يمكنه المخالفة فجاء بالجارية وقدمها بين يديه ، فلما نظر إليها وتأمل محاسنها من قامتها الرشيقة وألفاظها الرقيقة أعجبتها فقال له :
إلى كم وصل ثمنها .
فقال : أربعة آلاف وخمسمائة دينار .
فلما سمع ذلك التجار ما قدر واحد منهم أن يزيد درهماً ولا ديناراً بل تأخروا لمايعلمون من ظلم ذلك الوزير ، ثم نظر الوزير معين بن ساوي إلى الدلال وقال :
ما سبب وقوفك ، روح والجارية على أربعة آلاف ولك خمسمائة دينار .
فراح الدلال إلى علي نور الدين وقال له : راحت الجارية عليك بلا ثمن .
فقال له : وماسبب ذلك ?


فقال له : نحن فتحنا باب سعرها بأربعة آلاف وخمسمائة دينار فجاء هذا الظالم المعين بن ساوي ودخل السوق فلما نظر الجارية أعجبته وقال لي شاور على أربعة آلاف ولك خمسمائة
وما أظنه إلا يعرف أن الجارية لك فإن كان يعطيك ثمنها في هذه الساعة يكون ذلك من فضل الله ،
لكن أنا أعرف من ظلمه أنه يكتب لك ورقة حوالة على بعض عملائه ثم يرسل إليهم ويقول : لا تعطوه شيئاً فكلما ذهبت إليهم لتطالبهم يقولون : في غد نعطيك ولا يزالون يعدونك ويخلفون يوماً بعد يوم وأنت عزيز النفس ، وبعد أن يضجوا من مطالبتك إياهم يقولون أعطنا ورقة الحوالة إذا أخذوا الورقة منك قطعوها وراح عليك ثمن الجارية .

فلما سمع علي نور الدين من الدلال هذا الكلام نظر إليه وقال له : كيف يكون العمل ?
فقال له : أنا أشير عليك بمشورة فإن قبلتها مني كان لك الحظ الأوفر .
قال : تجيء في هذه الساعة عندي وأنا واقف وسط السوق وتأخذ الجارية من يدي وتلكمها وتقول لها : ويلك قد فديت يميني التي حلفتها ونزلت بك السوق حيث حلفت عليك أنه لا بد من إخراجك إلى السوق ومناداة الدلال عليك فإن فعلت ذلك ربما تدخل عليه الحيلة وعلى الناس ويعتقدون أنك ما نزلت بها إلا لأجل إبراز اليمين .
فقال : هذا هو الرأي الصائب .


ثم إن الدلال فارقه ، وجاء إلى وسط السوق وأمسك يد الجارية وأشار إلى الوزير المعين بن ساوي وقال :
يا مولاي هذا مالكها قد اقبل .
ثم جاء علي نور الدين إلى الدلال ونزع الجارية من يده ولكمها وقال : ويلك قد نزلت بك إلى السوق لأجل إبرار يميني . روحي إلى البيت وبعد ذلك لا تخالفيني فلست محتاجاً إلى ثمنك حتى أبيعك وأنا لو بعت أثاث البيت وأمثاله مرات عديدة ما بلغ قدر ثمنك .
فلما نظر المعين بن ساوي إلى علي نور الدين قال له : ويلك وهل بقي عندك شيء يباع ويشترى .
ثم إن المعين بن ساوي أراد أن يبطش به . فعند ذلك نظر التجار إلى علي نور الدين وكانوا كلهم يحبونه فقال لهم : ها أنا بين أيديكم وقد عرفتم ظلمه .
فقال الوزير : والله لولا أنتم لقتلته .
ثم رمزوا كلهم إلى بعضهم بعين الإشارة وقالوا : ما أحد منا يدخل بينك وبينه .


فعند ذلك تقدم علي نور الدين إلى الوزير بن ساوي وكان علي نور الدين شجاعاً فجذب الوزير من فوق سرجه فرماه إلى الأرض وكان هناك معجنة طين فوقع الوزير في وسطها وجعل نور الدين يلكمه فجاءت لكمة على أسنانه فاختضبت لحيته بدمه وكان مع الوزير عشرة مماليك فلما رأوا نور الدين يفعل بسيدهم هذه الأفعال وضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم وأرادوا أن يهجموا على نور الدين ويقطعونه وإذا بالناس قالوا للمماليك :
هذا وزير وهذا ابن وزير وربما اصطلحا مع بعضهما وتكونون مبغوضين عند كل منهما وربما جاءت فيه ضربة فتموتون جميعاً اقبح الموتات ومن الرأي أن لا تدخلوا بينهما .
فلما فرغ علي نور الدين من ضرب الوزير أخذ جاريته ومضى إلى داره وأما الوزير ابن ساوي فإنه قام من ساعته وكان قماش ثيابه أبيض فصار ملوناً بثلاثة ألوان الطين ولون الدم ولون الرماد فلما رأى نفسه على هذه الحالة أخذ برشاً وجعله في رقبته وأخذ في يده حزمتين من محلفه وسار إلى أن وقف تحت القصر الذي فيه السلطان وصاح :
يا ملك الزمان مظلوم .


فأحضروه بين يديه فتأمله فرآه وزيره المعين بن ساوي فقال له : من فعل بك هذه الفعال ? فبكى وانتحب وأنشد هذين البيتين :

أيظلمني الزمـان وأنـت فـيه ........ وتأكلني الكلاب وأنت غـيث
ويروى من حياضك كل صـياد ........ وأعطش في حماك وأنت غيث


ثم قال : يا سيدي هكذا كل من يحبك ويخدمك تجري له هذه المشاق .
قال له : ومن فعل بك هذه الفعال ?
فقال الوزير : اعلم أني خرجت اليوم إلى سوق الجواري لعلي أشتري جارية طباخة فرأيت في السوق جارية ما رأيت طول عمري مثلها فقال الدلال أنها لعلي بن خاقان وكان مولانا السلطان أعطى أباه سابقاً عشرة آلاف دينار ليشتري له بها جارية مليحة فاشترى تلك الجارية فأعجبته فأعطاها لولده فلما مات أبوه سلك طريق الإسراف حتى باع جميع ما عنده من الأملك والبساتين والأواني فلما أفلس ولم يبق عنده شيء نزل بالجارية إلى السوق على أن يبيعها ثم سلمها إلى الدلال فنادى عليها وتزايد فيها التجار حتى بلغ أربعة آلاف دينار ، فلما سمع كلامي نظر إلي وقال :
يا شيخ النحس أبيعها لليهود والنصارى ولا أبيعها لك .


فقلت : أنا ما اشتريتها لنفسي وإنما اشتريتها لمولانا السلطان الذي هو ولي نعمتنا .
فلما سمع مني هذا الكلام اغتاظ وجذبني ورماني عن الجواد وأنا شيخ كبير وضربني ولم يزل يضربني حتى تركني كما تراني ، وأنا ما أوقعني في هذا كله إلا أني جئت لأشتري هذه الجارية لسعادتك .
ثم إن الوزير رمى نفسه على الأرض وجعل يبكي ويرتعد ، فلما نظر السلطان حالته وسمع مقالته قام عرق الغضب بين عينيه ، ثم التفت إلى من بحضرته من أرباب الدولة ، وإذا بأربعين من ضاربي السيف وقفوا بين يديه فقال لهم : انزلوا في هذه الساعة إلى دار ابن خاقان وانهبوها واهدموها وآتوني به وبالجارية مكتفين واسحبوهما على وجوههما واتوا بهما بين يدي .
فقالوا : السمع والطاعة .


ثم إنهم قصدوا المسير إلى علي نور الدين وكان عند السلطان حاجب يقال له علم الدين سنجر وكان من مماليك الفضل بن خاقان والد علي نور الدين فلما سمع أمر السلطان ورأى الأعداء تهيئوا إلى قتل ابن سيده لم يهن عليه ذلك ، فركب جواده وسار إلى أن أتى بيت علي نور الدين فطرق الباب فخرج له علي نور الدين فلما رآه عرفه وأراد أن يسلم عليه فقال :
يا سيدي ما هذا وقت سلام ولا كلام واسمع ما قال الشاعر :

ونفسك فز بها إن خفت ضيماً ........ وخل الدار تنعي من بناهـا
فإنك واجد أرضـاً بـأرض ........ ونفسك لم تجد نفساً سواها


فقال علي نور الدين : ما الخبر ?
فقال : انهض وفز بنفسك أنت والجارية فإن المعين بن ساوي نصب لكما شركاً ومتى وقعتما في يده قتلكما وقد أرسل إليكما السلطان أربعين ضارباً بالسيف والرأي عندي أن تهربا قبل أن يحل الضرر بكما .
ثم إن سنجر مد يده إلى علي نور الدين بدنانير فعدها فوجدها أربعين ديناراً وقال له :
يا سيدي خذ هذه الدنانير ولو كان معي أكثر من ذلك لأعطيتك إياه لكن ما هذا وقت معاتبة .


فعند ذلك دخل علي نور الدين على الجارية وأعلمها بذلك فتخبلت ، ثم خرج الاثنان في الوقت إلى ظاهر المدينة وأرسل الله عليهما ستره ومشيا إلى ساحل البحر فوجدا مركباً تجهز للسفر والريس واقف في وسط المركب يقول :
من بقي له حاجة من وداع أو زوادة أو نسي حاجته فليأت بها فإننا متوجهون .
فقال كلهم : لم يبق لنا حاجة يا ريس .
فعندئذ قال الريس لجماعته : هيا حلوا الطرف واقلعوا الأوتاد .
فقال نور الدين : إلى أين يا ريس ?
فقال : إلى دار السلام بغداد .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .







إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
افتراضي
الليلة الثامنة والأربعين

تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الريس لما قال لعلي نور الدين :
إلى دار السلام مدينة بغداد .
نزل علي نور الدين ونزلت معه الجارية وعوموا ونشروا القلوع فساع بهم المركب وطاب لهم الريح .
هذا ما جرى لهؤلاء وأما ما جرى للأربعين الذين أرسلهم السلطان فإنهم جاؤوا إلى بيت علي نور الدين فكسروا الأبواب ودخلوا وطافوا جميع الأماكن فلم يقفوا لهما على خبر ، فهدموا الدار ورجعوا وأعلموا السلطان فقال :
اطلبوهما في أي مكان كانا فيه .
فقالوا : السمع والطاعة .


ثم نزل الوزير معين بن ساوي إلى بيته بعد أن خلع عليه السلطان خلعة وقال : لا يأخذ بثأرك إلا أنا .
فدعا له بطول البقاء واطمأن قلبه ، ثم إن السلطان أمر أن ينادى في المدينة يا معاشر الناس كافة :
قد أمر السلطان أن من عثر بعلي نور الدين بن خاقان وجاء به إلى السلطان خلع عليه خلعة وأعطاه ألف دينار ومن أخفاه أو عرف مكانه ولم يخبر به فإنه يستحق ما يجري عليه من النكال .
فصار جميع الناس في التفتيش على علي نور الدين فلم يجدوا له أثر .
هذا ما كان من هؤلاء .


وأما ما كان من أمر علي نور الدين وجاريته فإنهما وصلا بالسلامة إلى بغداد فقال الريس :
هذه بغداد وهي مدينة أمينة قد ولى عنها الشتاء ببرده وأقبل عليها فصل الربيع بورده وأزهرت أشجارها وجرت أنهارها .
فعند ذلك طلع علي نور الدين هو وجاريته من المركب وأعطى الريس خمسة دنانير ثم سارا قليلاً فرمتهما المقادير بين البساتين فجاءا إلى مكان فوجداه مكنوساً مرشوشاً بمصاطب مستطيلة وقواديس معلقة ملآنة ماء وفوقه مكعب من القصب بطول الزقاق وفي صدر الزقاق باب بستان إلا أنه مغلق فقال علي نور الدين للجارية :
والله إن هذا محل ملتح .


فقالت : يا سيدي اقعد بنا ساعة على هذه المصاطب .
فطلعا وجلسا على المصاطب ثم غسلا وجهيهما وأيديهما واستلذا بمرور النسيم فناما وجل من لا ينام ، وكان البستان يسمى بستان النزهة وهناك قصر يقال له يسمى قصر الفرجة وهو للخليفة هارون الرشيد وكان الخليفة إذا ضاق صدره
يأتي إلى البستان ويدخل ذلك القصر فيقعد فيه وكان القصر له ثمانون شباكاً معلقاً فيه ثمانون قنديلاً وفي وسطه شمعدان كبير من الذهب فإذا دخله الخليفة أمر الجواري أن تفتح الشبابيك وأمر إسحق النديم والجواري أن يغنوا ما يشرح صدره ويزول همه ،
وكان للبستان خولي شيخ كبير يقال له الشيخ إبراهيم ،
واتفق أنه خرج ليقضي حاجة من أشغاله فوجد المتفرجين معهم النساء وأهل الريبة فغضب غضباً شديداً فصبر الشيخ حتى جاء عنده الخليفة في بعض الأيام فأعلمه بذلك
فقال الخليفة : كل من وجدته على باب البستان افعل به ما أردت .


فلما كان ذلك اليوم خرج الشيخ إبراهيم الخولي لقضاء حاجة عرضت له فوجد الاثنين نائمين في البستان مغطيين بإزار واحد فقال :
أما عرفا أن الخليفة أعطاني إذناً أن كل من لقيته قتلته ولكن هذين ضرباً خفيفاً حتى لا يقترب أحد من البستان .
ثم قطع جريدة خضراء وخرج إليهما ورفع يده فبان بياض إبطه وأراد ضربهما فتفكر في نفسه وقال :
يا إبراهيم كيف تضربهما ولم تعرف حالهما وقد يكونان غريبان أو من أبناء السبيل ورمتهما المقادير هنا . سأكشف عن وجهيهما وأنظر إليهما .
فرفع الإزار عن وجهيهما وقال : هذان حسنان لا ينبغي أن أضربهما ، ثم غطى وجهيهما وتقدم إلى رجل علي نور الدين وجعل يكبسها ففتح عينيه فوجده شيخاً كبيراً فاستحى علي نور الدين ولم رجليه واستوى قاعداً وأخذ يد الشيخ فقبلها فقال له :
يا ولدي من أين أنتم ?
فقال له : يا سيدي نحن غرباء .


وفرت الدمعة من عينيه فقال الشيخ إبراهيم : يا ولدي اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إكرام الغريبن .
ثم قال له : يا ولدي أما تقوم وتدخل البستان وتتفرج فيه فينشرح صدرك ?
فقال له نور الدين : يا سيدي هذا البستان من يخص ?
فقال: يا ولدي هذا ورثته من أهلي .
وما كان قصد الشيخ إبراهيم بهذا الكلام إلا أن يطمئنهما ليدخلا البستان .
فلما سمع نور الدين كلامه شكره وقام هو وجاريته والشيخ إبراهيم قدامهما فدخلوا البستان فإذا هو بستان بابه مقنطر عليه كروم وأعنابه مختلفة الألوان ،
الأحمر كأنه ياقوت والأسود كأنه أبنوس ، فدخلوا تحت عريشة فوجدوا فيها الأثمار صنوان والأطيار تغرد بالألحان على الأغصان ، والهزار يترنم والقمر ملأ بصوته المكان والشحرور كأنه في تغريده إنسان والأثمار قد أينعت أثمارها من كل مأكول ومن فاكهة زوجان والمشمش ما بين كافوري ولوزي ومشمش خراسان والبرقوق كأنه لون الحسان
والقراصية تذهل عقل كل إنسان والتين ما بين أحمر وأبيض وأخضر من أحسن الألوان والزهر كأنه اللؤلؤ والمرجان والورد يفضح بحمرته خدود الحسان والبنفسج كأنه الكبريت دنا من النيران والآس والمنتور والخزامى مع شقائق النعمان ،


وتكالمت تلك الأوراق بمدامع الغمام وضحك ثغر الأقحوان وصار النرجس ناظر إلى ورد بعيون السودان والأترج كأنه أكواب والليمون كبنادق من ذهب وفرشت الأرض بالزهر من سائر الألوان وأقبل الربيع فأشرق ببهجته المكان والنهر في خرير والطير في هدير والريح في صفير والطقس في اعتدال والنسيم في اعتلال .
ثم دخل بهما الشيخ إبراهيم القاعة المغلقة ، فابتهجوا بحسن تلك القاعة وما فيها من اللطائف الغريبة .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .




إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة التاسعة والأربعين

تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشيخ إبراهيم دخل القاعة ومعه علي نور الدين والجارية وجلسوا بجانب بعض الشبابيك فتذكر علي نور الدين المقاساة التي مضت له فقال :
والله إن هذا المكان في غاية الحسن ، لقد فكرني بما مضى وأطفأ من كربي جمر الغضى .
ثم إن الشيخ إبراهيم قدم لهما الأكل فأكلا كفايتهما ثم غسلا ايديهما وجلس علي نور الدين في شباك من تلك الشبابيك وصاح على جاريته فأتت إليه فصارا ينظران إلى الأشجار وقد حملت سائر الأثمار ثم التفت علي نور الدين إلى الشيخ إبراهيم وقال له :
يا شيخ إبراهيم أما عندك شيء من الشراب لأن الناس يشربون بعد أن يأكلوا .
فجاءه الشيخ إبراهيم بماء حلو بارد فقال له نور الدين :
ما هذا الشراب الذي تريده ?
فقال له : أتريد خمراً ?
فقال له نور الدين : نعم .


فقال: أعوذ بالله منها إن لي ثلاثة عشر عاماً ما فعلت ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن شاربه وعاصره وحامله .
فقال له نور الدين : اسمع مني كلمتين .
قال : قل ما شئت .
قال : إذا لم تكن عاصر الخمر ولا شاربه ولا حامله هل يصيبك من لعنهم شيء ?
قال : لا .
قال : خذ هذين الدينارين وهذين الدرهمين واركب هذا الحمار وقف بعيداً وأي إنسان وجدته يشتري فصح عليه وقل له : خذ هذين الدرهمين واشتر بهما خمراً واحمله على الحمار وحينئذ لا تكون شارباً ولا حاملاً ولا عاصراً ولا يصيبك شيء مما يصيب الجميع .
فقال الشيخ إبراهيم وقد ضحك من كلامه : والله ما رأيت أظرف منك ولا أمحل من كلامك .
فقال له نور الدين : نحن صرنا محسوبين عليك وما عليك إلا الموافقة فهات لنا بجميع ما نحتاج إليه .
فقال له الشيخ إبراهيم : يا ولدي هذا كراري قدامك وهو الحاصل المعد لأمير المؤمنين فادخله وخذ منه ما شئت فإن فيه ما تريد .
فدخل علي نور الدين الحاصل فرأى فيه أواني من الذهب والفضة والبلور مرصعة بأصناف الجواهر فأخرج منها ما أراد وسكب الخمر في البواطي والقناني وصار هو وجاريته يتعاطيان واندهشا من حسن ما رأيا .


ثم إن الشيخ إبراهيم جاء إليهما بالمشموم وقعد بعيداً عنهما ، فلم يزالا يشربان وهما في غاية الفرح حتى تحكم معهما الشراب واحمرت خدودهما وتغازلت عيونهما واسترخت شعورهما فقال الشيخ إبراهيم :
ما لي أقعد بعيداً عنهما ? كيف أقعد عندهما وأي وقت اجتمع في قصرنا مثل هذين الاثنين اللذين كأنهما قمران .
ثم إن الشيخ تقدم وقعد في طرف الإيوان فقال له علي نور الدين : يا سيدي بحياتي أن تتقدم عندنا .
فتقدم الشيخ عندهما فملأ نور الدين قدحاً ونظر إلى الشيخ إبراهيم وقال له :
اشرب حتى تعرف لذة طعمه .
فقال الشيخ : أعوذ باله إن لي ثلاث عشرة سنة ما فعلت شيئاً من ذلك .


فتغافل عنه نور الدين وشرب القدح ورمى نفسه على الأرض وأظهر أنه غلب عليه السكر .
فعند ذلك نظرت إليه أنيس الجليس وقالت له : يا شيخ إبراهيم انظر هذا كيف عمل معي .
قال لها : يا سيدتي ماله ?
قالت : دائماً يعمل معي هكذا فيشرب ساعة وينام وابقى وحدي لا أجد لي نديماً ينادمني على قدحي فإذا شربت فمن يعاطيني وإذا غنيت فمن يسمعني ?
فقال لها الشيخ إبراهيم وقد حنت أعضاؤه ومالت نفسه إليها من كلامها :
لا ينبغي من النديم أن يكون هكذا .
ثم إن الجارية ملأت قدحاً ونظرت إلى الشيخ إبراهيم وقالت : بحياتي أن تأخذه وتشربه ولا ترده فاقبله واجبر خاطري .
فمد الشيخ إبراهيم يده وأخذ القدح وشربه ، وملأت له ثانياً ومدت إليه يدها به وقالت له :
يا سيدي بقي لك هذا .


فقال لها : والله لا أقدر أن أشربه فقد كفاني الذي شربته .
فقال له : والله لا بد منه .
فأخذ القدح وشربه ، ثم أعطته الثالث فأخذه وأراد أن يشربه وإذا بنور الدين هم قاعداً .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .





إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest

الليلة الخمسين

تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن علي نور الدين هم قاعداً فقال له :
يا شيخ إبراهيم أي شيء هذا ? أما حلفت عليك من ساعة فأبيت وقلت أن لي ثلاثة عشر عاماً ما فعلته ?
فقال الشيخ إبراهيم وقد استحى : ما لي ذنب فإنما هي شددت علي .
فضحك نور الدين وقعدوا للمنادمة فالتفتت الجارية وقالت لسيدها : سر يا سيدي اشرب ولا تحلف على الشيخ إبراهيم حتى أفرجك عليه .


فجعلت الجارية تملأ وتسقي سيدها وسيدها يملأ ويسقيها ولم يزالا كذلك مرة بعد مرة ، فنظر لهما الشيخ إبراهيم وقال لهما :
أي شيء هذا وما هذه المنادمة ولا تسقياني وقد صرت نديمكما .
فضحكا من كلامه إلى أن أغمي عليهما ثم شربا وسقياه وما زالوا في المنادمة إلى ثلث الليل فعند ذلك قالت الجارية :
يا شيخ إبراهيم عن إذنك هل أقوم وأوقد شمعة من هذا الشمع المصفوف ?
فقال لها : قومي ولا توقدي إلا شمعة واحدة .
فنهضت على قدميها وابتدأت من أول الشمع إلى أن أوقدت ثمانين شمعة ثم قعدت وبعد ذلك قال نور الدين :
يا شيخ إبراهيم وأنا أي شيء حظي عندك أما تخليني أوقد قنديلاً من هذه القناديل ?
فقال له الشيخ إبراهيم : قم وأوقد قنديلاً واحداً ولا تتناقل أنت الآخر .
فقام وابتدأ من أولها إلى أن أوقد ثمانين قنديلاً فعند ذلك رقص المكان .
فقال لهما الشيخ إبراهيم وقد غلب عليه السكر : أنتما أخرع مني .


ثم إنه نهض على قدميه وفتح الشبابيك جميعاً وجلس معهما يتنادمون ويتناشدون الأشعار وابتهج بهم المكان فقدر الله السميع العليم الذي جعل لكل شيء سبباً حيث أن الخليفة كان في تلك الساعة جالساً في شبابيك مطلة على ناحية الدجلة في ضوء القمر فنظر إلى تلك الجهة فرأى ضوء القناديل والشموع في البحر ساطعاً فلاحت من الخليفة التفاتة إلى القصر الذي في البستان فرآه يلهج من تلك الشموع والقناديل فقال :
علي بجعفر البرمكي .
فما كان إلا لحظة وقد حضر جعفر البرمكي بين يدي أمير المؤمنين فقال له :
يا كلب الوزراء أتخدمني ولا تعلمني بما يحصل في مدينة بغداد ?
فقال له جعفر : وما سبب هذا الكلام ?
فقال : لولا أن مدينة بغداد أخذت مني ما كان قصر الفرجة مبتهجاً بضوء القناديل والشموع وانفتحت شبابيكه ويلك من الذي يكون له القدرة على هذه الفعال إلا إذا كانت الخلافة أخذت مني .
فقال جعفر وقد ارتعدت فرائصه : ومن أخبرك أن قصر الفرجة أوقدت فيه القناديل والشموع وفتحت شبابيكه ?
فقال له : تقدم عندي وانظر .


فتقدم جعفر عند الخليفة ونظر ناحية البستان فوجد القصر كأنه شعلة من نور غلب على نور القمر ، فأراد جعفر أن يعتذر عن الشيخ إبراهيم الخولي ربما هذا الأمر بإذنه لما رأى فيه من المصلحة فقال :
يا أمير المؤمنين كان الشيخ إبراهيم في الجمعة التي مضت قال لي :
يا سيدي جعفر إني أريد أن أفرح أولادي في حياتك وحياة أمير المؤمنين .
فقلت له : وما مرادك بهذا الكلام ?
فقال لي : مرادي أن آخذ إذناً من الخليفة بأني أظاهر أولادي في القصر .
فقلت له : افعل ما شئت من فرح أولادك وإن شاء الله أجتمع بالخليفة وأعلمه بذلك فراح من عندي على هذه الحال ونسيت أن أعلمك .
فقال الخليفة : يا جعفر كان لك عندي ذنب واحد فصار لك عندي ذنبان لأنك أخطأت من وجهين : الوجه الأول أنك ما أعلمتني بذلك والوجه الثاني أنك بلغت الشيخ إبراهيم مقصوده فإنه ما جاء إليك وقال لك هذا الكلام إلا تعريضاً بطلب شيء من المال يستعين به على مقصوده فلم تعطه شيئاً ولم تعلمني حتى أعطيه .
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين نسيت .


فقال الخليفة : وحق آبائي وأجدادي ما أتم بقية ليلتي إلا عنده ، فإنه رجل صالح يتردد إليه المشايخ ويساعد الفقراء ويؤاسي المساكين وأظن أن الجميع عنده في هذه الليلة فلا بد من الذهاب إليه لعل واحد منهم يدعو لنا دعوة يحصل لنا بها خيري الدنيا والآخرة وبما يحصل له نفع في هذا الأمر بحضوري ويفرح بذلك هو وأحبابه .
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين إن معظم الليل قد مضى وهم في هذه الساعة على وجه الانفضاض .
فقال الخليفة : لا بد من الرواح عنده .
فسكت جعفر وتحير في نفسه وصار لا يدري فنهض الخليفة على قدميه وقام جعفر بين يديه ومعهما مسرور والخادم ومشى الثلاثة متنكرين ونزلوا من القصر وجعلوا يشقون الطريق في الأزقة وهم في زي التجار إلى أن وصلوا إلى البستان المذكور فتقدم الخليفة فرأى البستان مفتوحاً فتعجب وقال :
انظر الشيخ إبراهيم كيف ترك الباب مفتوحاً إلى هذا الوقت وما هي عادته .


ثم أنهم دخلوا إلى أن انتهوا إلى آخر البستان ووقفوا تحت القصر ، فقال الخليفة :
يا جعفر أريد أن أتسلل عليهم قبل أن أطلع عندهم حتى أنظر ما عليه المشايخ من النفحات وواردات الكرمات فإن لهم شؤوناً في الخلوات والجلوات لأننا الآن لم نسمع صوتاً ولم نر لهم أثراً .
ثم إن الخليفة نظر فرأى شجرة جوز عالية فقال : يا جعفر أريد أن أطلع على هذه الشجرة فإن فروعها قريبة من الشبابيك وأنظر إليهم .
ثم إن الخليفة طلع فوق الشجرة ولم يزل يتعلق من فرع إلى فرع حتى وصل إلى الفرع الذي يقابل الشباك وقعد فوقه ونظر من شباط القصر فرأى صبية وصبياً كأنهما قمران سبحان من خلقهما ورأى الشيخ إبراهيم قاعداً وفي يده قدح وهو يقول :
يا سيدة الملاح الشرب بلا طرب غير فلاح ، ألم تسمعي قول الشاعر :

أدرها بالكبير وبالصـغـير ........ وخذها من يد القمر المنـير
ولا تشرب بلا طرب فإنـي ........ رأيت الخيل تشرب بالصفير


فلما عاين الخليفة من الشيخ إبراهيم هذه الفعال قام عرق الغضب بين عينيه ونزل وقال :
يا جعفر أنا ما رأيت شيئاً من كرمات الصالحين مثل ما رأيت في هذه الليلة فاطلع أنت الآخر على هذه الشجرة وانظر لئلا تفوتك بركات الصالحين .


فلما سمع جعفر كلام أمير المؤمنين صار متحيراً في أمره وصعد إلى أعلى الشجرة وإذا به ينظر فرأى علي نور الدين والشيخ إبراهيم والجارية وكان الشيخ إبراهيم في يده القدح فلما عاين جعفر تلك الحالة أيقن بالهلاك ثم نزل فوقف بين يدي أمير المؤمنين فقال الخليفة :
يا جعفر الحمد لله الذي جعلنا من المتبعين لظاهر الشريعة المطهرة وكفانا شر تلبيات الطريقة المزورة .
فلم يقدر جعفر أن يتكلم من شدة الخجل ثم نظر الخليفة إلى جعفر وقال :
يا هل ترى من أوصل هؤلاء إلى هذا المكان ومن أدخلهم قصري ? ولكن مثل هذا الصبي وهذه الصبية ما رأت عيني حسناً وجمالاً وقداً واعتدالاً مثلهما .
فقال جعفر وقد استرجى رضا الخليفة : صدقت يا أمير المؤمنين .
فقال : يا جعفر اطلع بنا على هذا الفرع الذي هو مقابلهم لنتفرج عليهم .
فطلع الاثنان على الشجرة ونظراهما فسمع الشيخ إبراهيم يقول :
يا سيدتي قد تركت الوقار بشرب العقار ولا يلذ ذلك إلا بنغمات الأوتار .
فقالت له أنيس الجليس : يا شيخ إبراهيم والله لو كان عندي شيء من آلات الطرب لكان سرورنا كاملاً .
فلما سمع الشيخ إبراهيم كلام الجارية نهض قائماً على قدميه فقال الخليفة لجعفر :
يا ترى ماذا يريد أن يعمل ?


فقال جعفر : لا أدري .
فغاب الشيخ إبراهيم وعاد ومعه عوداً فتأمله الخليفة فإذا هو عود إسحق النديم .
فقال الخليفة : والله إن غنت الجارية ولم تحسن الغناء صلبتكم كلكم وإن غنت وأحسنت الغناء فإني أعفوا عنهم وأصلبك أنت .
فقال جعفر : اللهم اجعلها لا تحسن الغناء .
فقال الخليفة : لأي شيء ?
فقال : لأجل أن تصلبنا كلنا فيؤانس بعضنا بعضاً .
فضحك الخليفة ، وإذا بالجارية أخذت العود وأصلحت أوتاره وضربت ضرباً يذيب الحديد ويفطن البليد وأخذت تنشد هذه الأبيات :

أضحى التنائي بديلاً من تدانـينـا ........ وناب عن طيب لقيانا تجافـينـا
بنتم وبنا فما ابتلت جـوانـحـنـا ........ شوقاً إليكم ولا جفت مـآقـينـا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا ........ بأن نغص فقال الدهـر آمـينـا
ما الخوف أن تقتلونا في منازلنـا ........ وإنما خوفنا أن تأثـمـوا فـينـا


فقال الخليفة : والله يا جعفر عمري ما سمعت صوتاً مطرباً مثل هذا .
فقال جعفر : لعل الخليفة ذهب ما عنده من الغيظ ?
قال : نعم .


ثم نزل من الشجرة هو وجعفر ثم التفت إلى جعفر وقال :
أريد أن أطلع وأجلس عندهم واسمع الصبية تغني قدامي .
فقال جعفر : إذا طلعت عليهم ربما تكدروا وأما الشيخ إبراهيم فإنه يموت من الخوف .
فقال الخليفة : يا جعفر لا بد أن تعرفني حيلة أحتال بها على معرفة حقيقة هذا الأمر من غير أن يشعروا باطلاعنا عليهم .
ثم إن الخليفة هو وجعفر ذهبا إلى ناحية الدجلة وهما متفكران في هذا الأمر وإذا بصياد واقف يصطاد وكان الصياد تحت شبابيك القصر فرمى شبكته ليصطاد ما يقتات به وكان الخليفة سابقاً صاح على الشيخ إبراهيم وقال له :
ما هذا الصوت الذي سمعته تحت شبابيك القصر ?


فقال له الشيخ إبراهيم : صوت الصيادين الذين يصطادون السمك .
فقال : انزل وامنعهم من ذلك الموضع .
فامتنع الصيادون من ذلك الموضع فلما كانت تلك الليلة جاء صياد يسمى كريماً ورأى باب البستان مفتوحاً فقال في نفسه :
هذا وقت غفلة لعلي أستغنم في هذا الوقت صياداً ثم أخذ شبكته وطرحها في البحر وصار ينشد هذه الأبيات :

يا راكب البحر في الأهوال والهلكة ........ أقصر عناك فليس الرزق بالحركة
أما ترى البحر والصياد منتـصـب ........ في ليلة ونجوم الليل محـتـبـكة
قد مد أطنابه والمـوج يلـطـمـه ........ وعينه لم تزل في كلل الـشـبـكة
حتى إذا بات مسروراً بهـا فرحـاً ........ والحوت قد حط في فخ الردى حنكه
وصاحب القصر أمسى فيه ليلـتـه ........ منعم البال في خير مـن الـبـركة
وصار مستيقظاً من بعـد قـدرتـه ........ لكن في ملكه ظبياً وقـد مـلـكـه
سبحان ربي يعطي ذا ويمنـع ذا ........ بعض يصيد وبعض يأكل السمكة


فلما فرغ من شعره وإذا بالخليفة وحده واقف بجانبه فعرفه الخليفة فقال له :
يا كريم .
فالتفت إليه لما سمعه سماه باسمه فلما رأى الخليفة ارتعدت فرائصه وقال :
والله يا أمير المؤمنين ما فعلته استهزاء بالمرسوم ولكن الفقر العيلة قد حملاني على ما ترى .
فقال الخليفة : اصطاد على بختي .
فتقدم الصياد وقد فرح فرحاً شديداً وطرح الشبكة وصبر إلى أن أخذت حدها وثبتت في القرار فطلع فيها من أنواع السمك ما لا يحصى ففرح بذلك الخليفة فقال :
يا كريم اقلع ثيابك .


فقلع ثيابه وكانت عليه جبة فيها مائة رقعة من الصوف الخشن وفيها من القمل الذي له أذناب ومن البراغيث ما يكاد أن يسير بها على وجه الأرض وقلع عمامته من فوق رأسه وكان له ثلاث سنين ما حلها وإنما كان إذا رأى خرقة لفها عليها ، فلما قلع الجبة والعمامة خلع الخليفة من فوق جسمه ثوبين من الحرير الإسكندراني والبعلبكي وملوطة وفرجية ، ثم قال للصياد :
خذ هذه والبسها .
ثم لبس الخليفة جبة الصياد وعمامته ووضع على وجهه لثاماً ثم قال للصياد : رح أنت إلى شغلك فقبل رجل الخليفة وأنشد هذين البيتين :

أوليتني ما لا أقوم بـشـكـره ........ وكفيتني كل الأمور بأسرهـا
فلأشكرنك ما حييت وإن أمـت ........ شكرتك مني عظمي في قبرها


فلما فرغ الصياد من شعره حتى جال القمل على جلد الخليفة فصار يقبض بيده اليمين والشمال من على رقبته ويرمي ، ثم قال :
يا صياد ويلك ما هذا القمل الكثير في هذه الجبة ?
فقال : يا سيدي أنه في هذه الساعة يؤلمك فإذا مضت عليك جمعة فإنك لا تحس به ولا تفكر فيه .
فضحك الخليفة وقال له : ويلك كيف أخلي هذه الجبة على جسدي ?
فقال الصياد : إني أشتهي أن أقول لك كلاماً ولكن أستحي من هيبة الخليفة .
فقال له : قل ماعندك ?
فقال له : قد خطر ببالي يا أمير المؤمنين أنك إن أردت أن تتعلم الصيد لأجل أن تكون في يدك صنعة تنفعك فإن أردت ذلك يا أمير المؤمنين فإن هذه الجبة تناسبك .


فضحك الخليفة من كلام الصياد ثم ولى الصياد إلى حال سبيله وأخذ الخليفة مقطف السمك ووضع فوقه قليلاً من الحشيش وأتى به إلى جعفر ، ووقف بين يديه فاعتقد جعفر أنه كريم الصياد فخاف عليه وقال :
يا كريم ما جاء بك هنا انج بنفسك فإن الخليفة هنا في هذه الساعة .
فلما سمع الخليفة كلام جعفر ضحك حتى استلقى على قفاه فقال جعفر :
لعلك مولانا أمير المؤمنين .
فقال الخليفة : نعم يا جعفر وأنت وزيري وجئت أنا وإياك هنا وما عرفتني فكيف يعرفني الشيخ ابراهيم وهو سكران ? فكن مكانك حتى أرجع إليك .
فقال جعفر : سمعاً وطاعة .
ثم إن الخليفة تقدم إلى باب القصر ودقه فقام الشيخ إبراهيم وقال : من بالباب ? فقال له : أنا يا شيخ إبراهيم .
قال له : من أنت ?


قال له : أنا كريم الصياد ، وسمعت أن عندك أضيافاً فجئت إليك بشيء من السمك فإنه مليح .
وكان نور الدين هو والجارية يحبان السمك فلما سمعا ذكر السمك فرحا به فرحاً شديداً وقالا :
يا سيدي افتح له ودعه يدخل لنا عندك بالسمك الذي معه .
ففتح الشيخ إبراهيم فدخل الخليفة وهو في صورة الصياد وابتدأ بالسلام ، فقال له الشيخ إبراهيم : أهلا باللص السارق المقامر ، تعال أرنا السمك الذي معك .
فأراهم إياه ، فلما نظروه فإذا هو حي يتحرك فقالت الجارية :
والله يا سيدي إن هذا السمك مليح يا ليته مقلي .
فقال الشيخ إبراهيم : والله صدقت .
ثم قال للخليفة : يا صياد ليتك جئت بهذا السمك مقلياً قم فاقله لنا وهاته .
فقال الخليفة : على الرأس أقليه وأجيء به .
فقال له : عجل بقليه والإتيان به .


فقام الخليفة يجري حتى وصل إلى جعفر، وقال : يا جعفر طلبوا السمك مقلياً .
فقال : يا أمير المؤمنين هاته وأنا أقليه .
فقال الخليفة : وتربة آبائي وأجدادي ما يقليه إلا أنا بيدي .
ثم إن الخليفة ذهب إلى خص الخولي وفتش فيه فوجد فيه كل شيء يحتاج إليه من آلة القلي حتى الملح والزعتر وغير ذلك فتقدم للكانون وعلق الطاجن وقلاه قلياً مليحاً فلما استوى جعله على ورق الموز وأخذ من البستان ليموناً ، وطلع بالسمك ووضعه بين أيديهم فتقدم الصبي والصبية والشيخ إبراهيم وأكلوا فلما فرغوا غسلوا أيديهم فقال نور الدين :
والله يا صياد إنك صنعت معنا معروفاً هذه الليلة .
ثم وضع يده في جيبه وأخرج له ثلاثة دنانير من الدنانير التي أعطاه إياها سنجر وقت خروجه للسفر ،


وقال : يا صياد اعذرني فوالله لو عرفتك قبل الذي حصل لي سابقاً لكنت نزعت مرارة الفقر من قلبك ، لكن خذ هذا بحسب الحال .
ثم رمى الدنانير للخليفة فأخذها وقبلها ووضعها في جيبه وما كان مراد الخليفة بذلك إلا السماع من الجارية وهي تغني ، فقال الخليفة :
أحسنت وتفضلت لكن مرادي من تصدقاتك العميمة أن هذه الجارية تغني لنا صوتاً حتى أسمعها .
فقال نور الدين : يا أنيس الجليس .
قالت : نعم .
قال : لهاك وحياتي أن تغني لنا شيئاً من شأن خاطر هذا الصياد لأنه يريد أن يسمعك .
فلما سمعت كلام سيدها أخذت العود وغمزته بعد أن فركت أذنه وأنشدت هذين البيتين:

وغادة لعبت بالعود أنـمـلـهـا ........ فعادت النفس عند الجس تختلس
قد أسمعت بالأغاني من به صمم ........ وقال احسنت مغنى من به خرس


ثم إنها ضربت ضرباً غريباً إلى أن أذهلت العقول فقال نور الدين للصياد :
هل أعجبتك الجارية وتحريكها الأوتار ?
فقال الخليفة: أي والله .


فقال نور الدين : هي هبة مني إليك هبة كريم لا يرجع في عطائه .
ثم إن نور الدين نهض قائماً على قدميه وأخذ ملوطة ورماها على الخليفة وهو في صورة الصياد وأمره أن يخرج ويروح بالجارية فنظرت الجارية وقالت :
يا سيدي هل أنت رائح بلا وداع إن كان ولا بد فقف حتى أودعك وأنشدت هذين البيتين :

لئت غيبتموا عني فإن محلـكـم ........ لفي مهجتي بين الجوانح والحشا
وأرجو من الرحمن جمعاً لشملنا ........ وذلك فضل الله يؤتيه من يشـا


فلما فرغت من شعرها أجابها نور الدين وهو يقول :

ودعتني يوم الفراق وقالـت ........ وهي تبكي من لوعة وفراق
ما الذي أنت صانع بعد بعدي ........ قلت قولي هذا لمن هو باقي


ثم إن الخليفة لما سمع ذلك صعب عليه التفريق بينهما والتفت إلى الصبي وقال له :
يا سيدي نور الدين اشرح لي أمرك .


فأخبره نور الدين بحاله من أوله إلى آخره فلما فهم الخليفة هذا الحال قال له :
أين تقصد في هذه الساعة ?
قال له : بلاد الله فسيحة .
فقال له الخليفة : أنا أكتب لك ورقة توصلها إلى السلطان محمد بن سليمان الزيني فإذا قرأها لا يضرك بشيء .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .








إلى اللقاء مع الليله القادمه
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

DeletedUser32224

Guest
الليلة الحادية والخمسين

تكملة حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس
وبداية حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة





قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة لما قال لعلي نور الدين :
أنا أكتب لك ورقة توصلها إلى السلطان محمد بن سليمان الزيني ، فإذا قرأها لا يضرك بشيء .
فقال له على نور الدين : وهل في الدنيا صياد يكاتب الملوك ? إن هذا شيء لا يكون أبداً .
فقال له الخليفة : صدقت ولكن أنا أخبرك بالسبب اعلم أني أنا قرأت أنا وإياه في مكتب واحد عن فقيه وكنت أنا عريفه ثم أدركته السعادة وصار سلطاناً وجعلني الله صياداً ولكن لم أرسل إليه في حاجة إلا قضاها ولو أدخلت إليه في كل يوم من شأن ألف حاجة لقضاها .


فلما سمع نور الدين كلامه قال له : اكتب حتى أنظر .
فأخذ دواة وقلماً ، وكتب : بعد البسملة أما بعد فإن هذا الكتاب من هارون الرشيد بن المهدي إلى حضرة محمد بن سليمان الزيني المشمول بنعمتي الذي جعلته نائباً عني في بعض مملكتي أعرفك أن الموصل إليك هذا الكتاب نور الدين بن خاقان الوزير فساعة وصوله عندكم تنزع نفسك من الملك وتجلسه مكانك فإني قد وليته على ما كنت وليتك عليه سابقاً فلا تخالف أمري والسلام .
ثم أعطى علي نور الدين بن خاقان الكتاب فأخذه نور الدين وقبله وحطه في عمامته ونزل في الوقت مسافراً وطلع قصر السلطان ثم صرخ صرخة عظيمة فسمعه السلطان فطلبه فلما حضر بين يديه قبل الأرض قدامه ثم أخرج الورقة وأعطاه إياها فلما رأى عنوان الكتاب بخط أمير المؤمنين قام واقفاً على قدميه وقبلها ثلاث مرات وقال : السمع والطاعة لله تعالى ولأمير المؤمنين .
ثم أحضر القضاة الأربعة والأمراء وأراد أن يخلع نفسه من الملك وإذا بالوزير المعين بن ساوي قد حضر فأعطاه السلطان ورقة أمير المؤمنين فلما قراها عن آخرها وأخذها في فمه ومضغها ورماها .
فقال له السلطان وغضب : ويلك ما الذي حملك على هذه الفعال ?


قال له : هذا ما اجتمع بالخليفة ولا بوزيره وإنما هو علق شيطان مكار وقع بورقة فيها خط الخليفة فزورها وكتب فيها ما أراد فلأي شيء تعزل نفسك من السلطنة مع أن الخليفة لم يرسل إليك رسولاً بخط شريف ولو كان هذا الأمر صحيحاً لأرسل معه حاجباً أو وزيراً لكنه جاء وحده .
فقال له : وكيف العمل ?
قال له : أرسل معي هذا الشاب وأنا آخذه وأتسلمه منك وأرسله صحبة حاجب إلى مدينة بغداد فإن كان كلامه صحيحاً يأتينا بخط شريف وتقليد وإن كان غير صحيح ترسلوه إلينا مع الحاجب وأنا آخذ حقي من غريمي .
فلما سمع السلطان كلام الوزير ودخل عقله صاح على الغلمان فطرحوه وضربوه إلى أن أغمي عليه ثم أمر أن يضعوا في رجليه قيداً وصاح على السجان فلما حضر قبل الأرض بين يديه وكان هذا السجان يقال له قطيط ،


فقال له : يا قطيط أريد أن تأخذ هذا وترميه في مطمورة من المطامير التي عندك في السجن ، وتعاقبه بالليل والنهار .
فقال له السجان : سمعاً وطاعة .
ثم أن السجان أدخل نور الدين في السجن وقفل عليه الباب ثم أمر بكنس مصطبة وراء الباب وفرشها بسجادة أو مخدة وأقعد نور الدين عليها وفك قيده وأحسن إليه ، وكان كل يوم يرسل إلى السجان ويأمر بضربه والسجان يظهر أنه يعاقبه ، وهو يلاطفه ولم يزل كذلك مدة أربعين يوماً .
فلما كان اليوم الحادي والأربعون جاءت هدية من عند الخليفة فلما رآها السلطان أعجبته فشاور الوزراء في أمرها فقال :
لعل هذه الهدية كانت للسلطان الجديد ?
فقال الوزير المعين بن ساوي : لقد كان المناسب قتله وقت قدومه .
فقال السلطان : والله لقد ذكرتني به انزل هاته واضرب عنقه .
فقال الوزير : سمعاً وطاعة .ف
قام وقال له : إن قصدي أن أنادي في المدينة من أراد أن يتفرج على ضرب رقبة نور الدين علي بن خاقان فليأت إلى القصر فيأتي جميع الناس ليتفرجوا عليه لأشفي فؤادي وأكمد حسامي .
فقال له السلطان : افعل ما تريد .


فنزل الوزير وهو فرحان مسرور وأقبل على الوالي وأمره أن ينادي بما ذكرناه فلما سمع الناس المنادي حزنوا وبكوا جميعاً حتى الصغار في المكاتب والسوقة في دكاكينهم وتسابق الناس يأخذون لهم أماكن ليتفرجوا فيها وذهب بعض الناس إلى السجن حتى يأتي معه ونزل الوزير ومعه عشرة مماليك إلى السجن ثم إنهم نادوا على نور الدين :
هذا أقل جزاء من يزور مكتوباً على الخليفة إلى السلطان .
ولا زالوا يطوفون به في البصرة إلى أن أوقفوه تحت شباك القصر وجعلوه في منقع الدم وتقدم إليه السياف وقال له :
أنا عبد مأمور فإن كان لك حاجة فأخبرني بها حتى أقضيها لك ، فإنه ما بقي من عمرك إلا قدر ما يخرج السلطان وجهه من الشباك .
فعند ذلك نظر يميناً وشمالاً ، وانشد هذه الأبيات :

فهل فيكم خـل شـفـيق يعـينـنـي ........ سألتـكم بالـله رد جوابـي
مضى الوقت من عمري وحانت منيتي ........ فهل راحم لي كي ينـال ثوابي
وينظر في حالي ويكشف كـربـتـي ........ بشربة ماء كي يهـون عذابي


فتباكت الناس عليه وقام السياف وأخذ شربة ماء يناوله إياها ، فنهض الوزير من مكانه وضرب قلة الماء بيده فكسرها وصاح على السياف وأمره بضرب عنقه فعند ذلك عصب عيني علي نور الدين فصاح الناس على الوزير ، وأقاموا عليه الصراخ وكثر بينهم القيل والقال فبينما هم كذلك وإذا بغبار قد علا وعجاج ملأ الجو والفلا فلما نظر إليه السلطان وهو قاعد في القصر قال :
انظروا ما الخبر ؟


فقال الوزير : نصبر حتى نضرب عنق هذا قبل ....
فقال له السلطان : اصبر أنت حتى ننظر الخبر .
وكان ذلك الغبار غبار جعفر وزير الخليفة ومن معه وكان السبب في مجيئهم أن الخليفة مكث ثلاثين يوماً لم يتذكر قصة علي نور الدين بن خاقان ولم يذكرها له أحد إلى أن جاء ليلة من الليالي إلى مقصورة أنيس الجليس فسمع بكاءها وهي تنشد بصوت رقيق قول الشاعر :

خيالك في التباعد والتداني ........ وذكرك لا يفارقه لساني

وتزايد بكاؤها وإذا قد فتح الباب ودخل المقصورة فرأى أنيس الجليس وهي تبكي ، فلما رأت الخليفة وقعت على قدميه وقبلتهما ثلاث مرات ، ثم أنشدت هذين البيتين :

أيا من زكا أصـلاً وطـاب ولادة ........ وأثمر غصناً يانعاً وزكا جنـسـا
أذكرك الوعد الذي سـمـت بـه ........ محاسنك الحسنا وحاشاك أن تنسى


فقال الخليفة : من أنت ?
قالت : أنا هدية علي بن خاقان إليك ، وأريد إنجاز الوعد الذي وعدتني به من أنك ترسلني إليه مع الشريف ، والآن لي هنا ثلاثون يوماً لم أذق طعم النوم .


فعند ذلك طلب الخليفة جعفر البرمكي ، وقال :
من مدة ثلاثين يوماً لم أسمع بخبر علي بن خاقان وما أظن إلا أن السلطان قتله ولكن وحياة رأسي وتربة آبائي وأجدادي إن كان جرى له أمر مكروه لأهلكن من كان سبباً فيه ولو كان أعز الناس عندي وأريد أن تسافر أنت في هذه الساعة إلى البصرة وتأتي بأخبار الملك محمد بن سليمان الزيني مع علي بن خاقان .
فامتثل أمره وسافر ، فلما أقبل جعفر نظر ذلك الهرج والمرج والازدحام فقال الوزير جعفر :
ما هذا الازدحام ?
فذكروا له ما هم فيه من أمر علي نور الدين بن خاقان .


فلما سمع جعفر كلامهم أسرع بالطلوع إلى السلطان وسلم عليه وأعلمه بما جاء فيه وأنه إذا كان وقع لعلي نور الدين أمر مكروه فإن السلطان يهلك ما كان السبب في ذلك ثم إنه قبض على السلطان والوزير المعين بن ساوي وأمر بإطلاق علي نور الدين بن خاقان وأجلسه سلطاناً في مكان السلطان محمد بن سليمان الزيني وقعد ثلاثة أيام في البصرة مدة الضيافة فلما كان صبح اليوم الرابع التفت علي بن خاقان إلى جعفر وقال :
إني اشتقت إلى رؤية أمير المؤمنين .
فقال جعفر للملك محمد بن سليمان : تجهز للسفر فإننا نصلي الصبح وتنوجه إلى بغداد .
فقال : السمع والطاعة .
ثم إنهم وصلوا الصبح وركبوا جميعهم ومعهم الوزير المعين بن ساوي وصار يتندم على فعله وأما علي نور الدين بن خاقان فإنه ركب بجانب جعفر ، وما زالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى بغداد دار السلام ، وبعد ذلك دخلوا على الخليفة ، فلما دخلوا عليه حكوا له قصة علي نور الدين فعند ذلك أقبل الخليفة على علي نور الدين بن خاقان وقال له :
خذ هذا السيف واضرب به رقبة عدوك .


فأخذه وتقدم إلى المعين بن ساوي فنظر إليه وقال : أنا عملت بمقتضى طبيعتي فاعمل أنت بمقتضى طبيعتك .
فرمى السيف من يده ونظر إلى الخليفة وقال : يا أمير المؤمنين إنه خدعني وأنشد قول الشاعر :

فخدعته بخديعة لمـا أتـى ........ والحر يخدعه الكلام الطيب

فقال الخليفة : اتركه أنت .
ثم قال لمسرور : يا مسرور قم أنت واضرب رقبته .
فقام مسرور ورمى رقبته فعند ذلك قال الخليفة لعلي بن خاقان : تمن علي .
فقال له : يا سيدي أنا ما لي حاجة بملك البصرة وما أريد إلا مشاهدة وجه حضرتك .
فقال الخليفة : حباً وكرامة ثم إن الخليفة دعا بالجارية فحضرت بين يديه فأنعم عليهما وأعطاهما قصراً من قصور بغداد ورتب لهما مرتبات وجعله من ندمائه وما زال مقيماً عنده إلى أن أدركه الممات وليس هذا بأعجب من حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنه ?
قال الملك شهريار : وكيف ذلك ?


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان تاجر من التجار له مال وله ولد كأنه البدر ليلة تمامه فصيح اللسان اسمه غانم بن أيوب المتيم المسلوب .
وله أخت اسمها فتنة من فرط حسنها وجمالها فتوفي والدهما وخلف لهما مالاً جزيلاً .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .








إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest

الليلة الثانية والخمسين

تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن ذلك التاجر خلف لهما مالاً جزيلاً ومن جملة ذلك مائه حمل من الخز والديباج ونوافج المسك ، ومكتوب على الأحمال هذا بقصد بغداد وكان مراده أن يسافر إلى بغداد فلما توفاه الله تعالى ومضت مدة أخذ ولده هذه الأحمال وسافر بها إلى بغداد وكان ذلك في زمن هارون الرشيد وودع أمه وأقاربه وأهل بلدته قبل سيره وخرج متوكلاً على الله تعالى وكتب الله له السلامة ،
حتى وصل إلى بغداد وكان مسافراً بصحبة جماعة من التجار فاستأجر له داراً حسنة وفرشها بالبسط والوسائد وأرخى عليها الستور وأنزل فيها تلك الأحمال والبغال والجمال ، وجلس حتى استراح وسلم عليه
تجار بغداد وأكابرها ثم أخذ بقجة فيها عشرة تفاصيل من القماش النفيس مكتوب عليها أثمانها ونزل بها إلى سوق التجار فلاقوه وسلموا عليه وأكرموه وتلقوه بالترحيب وأنزلوه على دكان شيخ السوق وباع التفاصيل ،


فربح في كل دينار دينارين ، ففرح غانم وصار يبيع القماش والتفاصيل شيئاً فشيئاً ولم يزل كذلك سنة وفي أول السنة الثانية جاء إلى ذلك السوق فرأى بابه مقفولاً فسأل عن سبب ذلك فقيل له أنه توفي واحد من التجار وذهب التجار كلهم يمشون في جنازته فهل لك أن تكسب أجراً وتمشي معهم ?
فقال : نعم .
ثم سأل عن محل الجنازة فدلوه على المحل فتوضأ ثم مشى مع التجار إلى أن وصلوا المصلى وصلوا على الميت ثم مشى التجار جميعهم قدام الجنازة إلى المقبرة فتبعهم غانم إلى أن وصلوا بالجنازة خارج المدينة ومشوا بين المقابر حتى وصلوا إلى المدفن فوجدوا أهل الميت نصبوا على القبر خيمة وأحضروا الشموع والقناديل ، ثم دفنوا الميت وجلس القراء يقرؤون على ذلك القبر فجلس التجار ومعهم غانم بن أيوب وهو غالب عليه الحياء فقال في نفسه :
أنا لم أقدر أن أفارقهم حتى أنصرف معهم .


ثم إنهم جلسوا يسمعون القرآن إلى وقت العشاء فقدموا لهم العشاء والحلوى ، فأكلوا حتى اكتفوا وغسلوا أيديهم ثم جلسوا مكانهم فاشتغل خاطر غانم ببضاعته ، وخاف من اللصوص وقال في نفسه :
أنا رجل غريب ومنهم بالمال ، فإن بت الليلة بعيداً عن منزلي سرق اللصوص ما فيه من المال والأحمال .
وخاف على متاعه فقام وخرج من بين الجماعة واستأذنهم على أنه يقضي حاجة فسار يمشي ويتتبع آثار الطريق حتى جاء إلى باب المدينة وكان ذلك الوقت نصف الليل فوجد باب المدينة مغلقاً ولم ير أحداً غادياً ولا رائحاً ولم يسمع صوتاً سوى نبيح الكلاب ، وعوي الذئاب فقال :
لا حول ولا قوة إلا بالله كنت خائفاً على مالي وجئت من أجله فوجدت الباب مغلقاً فصرت الآن خائفاً على روحي .


ثم رجع ينظر له محلاً ينام فيه إلى الصباح فوجد تربة محوطة بأربع حيطان ، وفيها نخلة ولها باب من الصوان مفتوح ، فدخلها وأراد أن ينام فلم يجئه نوم وأخذته رجفة ووحشة وهو بين القبور ، فقام واقفاً على قدميه وفتح باب المكان ونظر فرأى نوراً يلوح على بعد في ناحية المدينة فمشى قليلاً فرأى النور مقبلاً في الطريق التي توصل إلى التربة التي هو فيها فخاف غانم على نفسه ، وأسرع برد الباب وتعلق حتى طلع فوق النخلة وتدارى في قلبها فصار النور يتقرب من التربة فتأمل النور فرأى ثلاثة عبيد اثنان حاملان صندوقاً والثالث في يده فأس وفانوس فلما قربوا من التربة قال أحد العبدين الحاملين الصندوق :
ويلك يا صواب .


فقال العبد الآخر : مالك يا كافور ?
فقال : إنا كنا هنا وقت العشاء وخلينا الباب مفتوحاً .
فقال : نعم هذا الكلام صحيح .
فقال : ها هو مغلق .
فقال لهما الثالث وهو حامل الفأس والنور وكان اسمه بخيتاً : ما أعقل عقلكما أما تعرفان أن أصحاب الغيطان يخرجون من بغداد ويترددون هنا فيمسي عليهم المساء فيدخلون هنا ويغلقون عليهم الباب خوفاً من السودان الذين هم مثلنا أن يأخذوهم ويشووهم ويأكلوهم .
فقالوا له : صدقت وما فينا أقل عقلاً منك .


فقال لهم : إنكم لم تصدقوني حتى ندخل التربة ونجد فيها أحداً ، وأظن أنه كان فيها أحداً ورأى النور وهرب فوق النخلة .
فلما سمع غانم كلام العبيد قال في نفسه : ما أمكر هذا العبد فقبح الله السودان لما فيهم من الخبث واللؤم .
ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وما الذي يخلصني من هذه الورطة ؟
ثم إن الاثنين الحاملين للصندوق قالا لمن معه الفأس : تعلق على الحائط وافتح الباب لنا يا بخيت لأننا تعبنا من الصندوق على رقابنا فإذا فتحت لنا الباب لك علينا واحد من الذين نمسكهم ونقليه لك قلياً جيداً بحيث لا يضيع من دهنه شيء .
فقال بخيت : أنا خائف من شيء تذكرته من قلة عقل وهو أننا نرمي الصندوق وراء الباب لأنه ذخيرتنا .
فقالا له : إن رميناه ينكسر .


فقال : أنا فكرت أن يكون في داخل التربة حرامية من الذين يقتلون الناس ويسرقون أموالهم لأنهم إذا أمسى عليهم الوقت يدخلون في هذه الأماكن ويقسمون معهم .
فقال له الاثنان الحاملان للصندوق : يا قليل العقل هل يقدرون أن يدخلوا هذا المكان ؟
فحملا الصندوق وتعلقا على الحائط ونزلا وفتحا الباب والعبد الثالث الذي هو خبيث واقف لهما بالنور والمقطف الذي فيه بعض من الجبس .
ثم إنهم جلسوا وقفلوا الباب فقال واحد منهم : يا أخوتي نحن تعبنا من المشي والشيل والحط وفتح الباب وقفله وهذا الوقت نصف الليل ، ولم يبق فينا قوة لفتح الباب ودفن الصندوق ولكننا نجلس هنا ثلاث ساعات لنستريح ثم نقوم ونقضي حاجتنا ولكن كل واحد منا يحكي سبب تطويشه وجميع ما وقع له من المبتدأ إلى المنتهى لأجل فوات هذه الليلة .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .




إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة الثالثة والخمسين


تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العبيد الثلاثة لما قالوا لبعضهم :
كل واحد يحكي جميع ما وقع له .
قال الأول وهو الذي كان حامل النور : أنا أحكي لكم حكايتي .
فقالوا له : تكلم .
قال لهم : اعلموا يا أخواني أني لما كنت صغيراً جاء بي الجلاب من بلدي وعمري خمس سنين فباعني لواحد جاويش وكان له بنت عمرها ثلاث سنوات فتربيت معها وكانوا يضحكون علي وأنا ألاعب البنت وأرقص معها إلى أن صار عمري اثنتي عشرة سنة وهي بنت عشر سنين ولا يمنعونني عنها إلى أن دخلت عليها يوماً من الأيام وهي جالسة في البيت لأنها كانت معطرة مبخرة ووجهها مثل القمر في ليلة أربعة عشر فلاعبتني ولاعبتها ، فدفعتني إلى الأرض فوقعت على ظهري وركبت على صدري وصارت تتمرغ علي ،


فهاجت الحرارة عندي وحضنتها فشبكت يديها في عنقي وفرطت علي بجسدها فلم أشعر إلا وأنا قد أزلت بكارتها ، فلما عاينت ذلك هربت عند أصحابي فدخلت عليها أمها فلما رأت حالها غابت عن الدنيا ، ثم تداركت أمرها وأخفت حالها عن أبيها وكتمته وصبرت عليها مدة شهرين ، كل هذا وهم ينادونني ويلاطفونني حتى أخذوني من المكان الذي كنت فيه ولم يذكروا شيئاً من هذا الأمر لأبيها لأنهم كانوا يحبونني كثيراً .

ثم إن أمها خطبت لها شاباً مزين كان يزين أباها وأمهرتها من عندها وجهزتها كل هذا وأبوها لا يعلم بحالها وصاروا يجتهدون في تحصيل جهازها ثم إنهم أمسكوني على غفلة فعلوا بي ما منعني من رجولتي ولما زفوها للعريس جعلوني طواشياً لها أمشي قدامها أينما راحت سواء كان رواحها إلى الحمام أو إلى بيت أبيها وقد ستروا أمرها .


وليلة الدخلة ذبحوا على قميصها حمامة ومكثت عندها مدة طويلة وأنا أتملى بحسنها وجمالها على قدر ما أمكنني من تقبيل وعناق إلى أن ماتت هي وزوجها وأمها وأبوها ، ثم أخذت بيت المال وصرت هذا المكان وقد ارتفعت بكم وهذا سبب ما قطع عندي والسلام .
فقال العبد الثاني : اعلموا يا إخواني اني كنت في ابتداء أمري ابن ثمان سنين ولكن كنت أكذب على الجلابة كل سنة كذبة حتى يقعوا في بعضهم ، فقلق مني الجلاب وأنزلني في يد الدلال وأمره أن ينادي من يشتري هذا العبد على عيبه فقيل له :
وما عيبه ?
قال : يكذب في كل سنة كذبة واحدة .
فتقدم رجل تاجر إلى الدلال وقال له : كم أعطوا في هذا العبد من الثمن على عيبه ?
قال : أعطوا ستمائة درهم .
قال : ولك عشرون .


فجمع بينه وبين الجلاب وقبض منه الدراهم وأوصلني الدلال إلى منزل ذلك التاجر وأخذ دلالته ، فكساني التاجر ما يناسبني ومكثت عنده باقي سنتي إلى أن هلت السنة الجديدة بالخير وكانت سنة مباركة مخصبة بالنبات فصار التجار يعملون العزومات وكل يوم على واحد منهم إلى أن جاءت العزومة على سيدي في بستان خارج البلد فراح هو والتجار وأخذ لهم ما يحتاجون إليه من أكل وغيره فجلسوا يأكلون ويشربون ويتنادمون إلى وقت الظهر فاحتاج سيدي إلى مصلحة من البيت فقال :
يا عبد اركب البغلة وروح إلى المنزل وهات من سيدتك الحاجة الفلانية وارجع سريعاً .


فامتثلت لأمره ورحت إلى المنزل وأخبرتهم أن سيدي جلس تحت الحائط لقضاء حاجة فوقع الحائط عليه ومات .
فلما سمع أولاده وزوجته ذلك الكلام صرخوا وشقوا ثيابهم ولطموا على وجوههم فأتت إليهم الجيران ، وأما زوجة سيدي فإنها قلبت متاع البيت بعضه على بعض وخلعت رفوفه وكسرت طبقاته وشبابيكه وسخمت حيطانه بطين ونيلة وقالت :
ويلك يا كافور تعال ساعدني واخرب هذه الدواليب وكسر هذه الأواني والصيني .
فجئت إليها وأخرجت معها رفوف البيت وأتلفت ما عليها ودواليبه وأتلفت ما فيها ودرت على السقوف وعلى كل محل حتى أخرجت الجميع وأنا أصيح واسيداه ثم خرجت سيدتي مكشوفة الوجه بغطاء رأسها لا غير وخرج معها البنات والأولاد وقالوا :
يا كافور امش وأرنا مكان سيدك الذي هو ميت فيه تحت الحائط حتى نخرجه من تحت الردم ونحمله في تابوت ونجيء به إلى البيت فنخرجه خرجة مليحة .


فمشيت قدامهم وأنا أصيح واسيداه وهم خلفي مكشوفوا الوجوه والرؤوس يصيحون :
وامصيبتاه وانكبتاه .
فلم يبق أحد من الرجال ولا من النساء ولا من الصبيان ولا صبية ولا عجوزة إلا جاءت معنا وصاروا كلهم يلطمون وهم في شدة البكاء فمشيت بهم في المدينة فسأل الناس عن الخبر فأخبروهم بما سمعوا مني فقال الناس :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إننا نمضي للوالي ونخبره .
فلما وصلوا إلى الوالي أخبروه .

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest

الليلة الرابعة والخمسين


تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العبد قال :
فلما وصلوا إلى الوالي وأخبروه قام الوالي وركب وأخذ معه الفعلة بالمساحي والقفف ومشوا تابعين أثري ومعهم كثير من الناس وأنا أبكي وأصيح وأحثو التراب على رأسي وألطم على وجهي فلما دخلت عليهم ورآني سيدي بهت واصفر لونه وقال :
ما لك يا كافور وما هذا الحال وما الخبر ?


فقلت له : إنك لما أرسلتني إلى البيت لأجيء لك بالذي طلبته رحت إلى البيت ودخلته فرأيت الحائط التي في القاعة وقعت فانهدمت القاعة كلها على سيدتي وأولادها .
فقال لي : وهل سيدتك لم تسلم ?
فقال : لا ما سلم منهم أحد وأول من مات منهم سيدتي الكبيرة .
فقال : وهل سلمت بنتي الصغيرة ?
فقلت : لا .
فقال لي : وما حال البغلة التي أركبها هل هي سالمة ?
فقلت له : لا يا سيدي فإن حيطان البيت وحيطان الاصطبل انطبقت على جميع ما في البيت حتى على الغنم والإوز والدجاج وصاروا كلهم كوم لحم وصاروا تحت الردم ولم يبق منهم أحد .
فقال لي : ولا سيدك الكبير ?
فقلت له : لا فلم يسلم منهم أحد ، وفي هذه الساعة لم يبق هناك دار ولا سكان ولم يبق من ذلك كله أثر ، وأما الغنم والإوز والدجاج فإن الجميع أكلها القطط والكلاب .


فلما سمع سيدي كلامي صار الضياء في وجهه ظلاماً ولم يقدر أن يتمالك نفسه ولا عقله ولم يقدر أن يقف على قدميه بل جاءه الكساح وانكسر ظهره ومزق أثوابه ونتف لحيته ولطم على وجهه ورمى عمامته من فوق رأسه وما زال يلطم وجهه حتى سال منه الدم وصار يصيح :
آه.. وا أولاداه آه وا زوجتاه.. آه وا مصيبتاه من جرى له مثل ما جرى لي .
فصاح التجار رفقاؤه لصياحه وبكوا معه ورثوا لحاله وشقوا أثوابهم وخرج سيدي من ذلك البستان وهو يلطم من شدة ما جرى له وأكثر اللطم على وجهه وصار كأنه سكران ، فبينما الجماعة خارجون من باب البستان وإذا هم نظروا غبرة عظيمة وصياحات بأصوات مزعجة فنظروا إلى تلك الجهة فرأوا الجماعة المقبلين وهم الوالي وجماعته والخلق والعالم الذين يتفرجون وأهل التاجر وراءهم يصرخون ويصيحون وهم في بكاء وحزن زائد فأول من لاقى سيدي زوجته وأولادها فلما رآهم بهت وضحك


وقال لهم : ما حالكم أنتم ? وما حصل في الدار وما جرى لكم ?
فلما رأوه قالوا : الحمد لله على سلامتك أنت .
ورموا أنفسهم عليه وتعلقت أولاده به وصاحوا : وأبتاه الحمد لله على سلامتك يا أبانا .
وقالت له زوجته : الحمد لله الذي أرانا وجهك بسلامة .
وقد اندهشت وطار عقلها لما رأته وقالت له : كيف كانت سلامتك أنت وأصحابك ?
فقال لها : وكيف كان حالكم في الدار ?
فقالوا : نحن طيبون بخير وعافية وما أصاب دارنا شيء من الشر غير أن عبد كافوراً جاء إلينا مكشوف الرأس مزق الأثواب وهو يصيح :
وا سيداه واسيداه .
فقلنا له : ما الخبر يا كافور ?


فقال : إن سيدي جلس تحت حائط في البستان ليقضي حاجة فوقعت عليه فمات .
فقال لهم سيده : والله إنه أتاني في هذه الساعة وهو يصيح :
وا سيدتاه وقال : أن سيدتي وأولادها ماتوا جميعاً .
ثم نظر إلى جانبه فرآني وعمامتي ساقطة في رأسي وأنا أصيح وأبكي بكاء شديداً وأحثو التراب على رأسي فصرخ علي فأقبلت عليه فقال لي :
ويلك يا عبد النحس يا ابن الزانية يا ملعون الجنس ما هذه الوقائع التي عملتها ولكن والله لأسلخن جلدك عن لحمك وأقطعن لحمك عن عظمك .
فقلت : والله ما تقدر أن تعمل معي شيئاً لأنك قد اشتريتني على عيبي وأنت عالم به وهو أني أكذب في كل سنة كذبة واحدة وهذه نصف كذبة فإذا كملت السنة كذبت نصفها الآخر فتبقى كذبة واحدة .
فصاح علي : يا ألعن العبيد هل هذا كله نصف كذبة وإنما هو داهية كبيرة ، اذهب عني فأنت حر .


فقلت : والله إن أعتقتني أنت ما أعتقك أنا حتى تكمل السنة وأكذب نصف الكذبة الباقي وبعد أن أتمها فانزل بي السوق وبعني بما اشتريتني به على عيبي ولا تعتقني فإنني ما لي صنعة أقتات منها وهذه المسألة التي ذكرتها لك شرعية ذكرها الفقهاء في باب العتق .
فبينما نحن في الكلام وإذا بالخلايق والناس وأهل الحارة نساء ورجالاً قد جاؤوا يعملون العزاء وجاء الوالي وجماعته فراح سيدي والتجار إلى الوالي وأعلموه بالقضية وإن هذه نصف كذبة ، فلما سمع الحاضرون ذلك منه استعظموا تلك الكذبة وتعجبوا غاية العجب فلعنوني وشتموني فبقيت واقفاً أضحك وأقول :
كيف يقتلني سيدي وقد اشتراني على هذا العيب ?
فلما مضى سيدي إلى البيت وجده خراباً وأنا الذي أخربت معظمه وكسرت فيه شيئاً يساوي كثيراً من المال .
فقالت له زوجته : إن كافور هو الذي كسر الأواني الصيني .


فازداد غيظه وقال : والله ما رأيت عمري ولد زنا مثل هذا العبد ولأنه يقول نصف كذبة فكيف لو كانت كذبة كاملة فحينئذ كان أخرب مدينة أو مدينتن .
ثم ذهب من شدة غيظه إلى الوالي فضربني علقة شديدة حتى غبت عن الدنيا وغشي علي فأتاني بالمزين في حال غشيتي ففعل بي ما منعني من رجولتي وكواني ، فلما أفقت وجدت نفسي هكذا وقال لي سيدي :
مثل ما أحرقت قلبي على أعز الشيء عندي أحرقت قلبك على أعز الشيء عندك .
ثم أخذني فباعني بأغلى ثمن لأني صرت طواشياً وما زلت ألقى الفتن في الأماكن التي أباع فيها .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .







إلى اللقاء مع الليله القادمه
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

DeletedUser32224

Guest
الليلة الخامسة والخمسين


تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العبد قال :
وما زلت ألقى الفتن في الأماكن التي أباع فيها وانتقل من أمير إلى أمير ومن كبير إلى كبير بالبيع والشراء حتى دخلت قصر أمير المؤمنين وقد انكسرت نفسي وضعفت قوتي وأعدمت رجولتي .
فلما سمع العبدان كلامه ضحكا عليه وقالا له : إنك خبيث ابن خبيث قد كذبت كذباً شنيعاً .
ثم قالوا للعبد الثالث : احك لنا حكايتك .


قال لهم : يا أولاد عمي كل ما حكي هذا بطال فأنا أحكي لكم سبب قطع رجولتي وقد كنت أستحق أكثر من ذلك لأني كنت نكحت سيدتي وابن سيدتي والحكاية معي طويلة وما هذا وقت حكايتها الآن الصباح يا أولاد عمي قريب وربما يطلع علينا الصباح ، ومعنا هذا الصندوق فننفضح بين الناس وتروح أرواحنا فدونكم فتح الباب فإذا فتحناه ودخلنا محلنا قلت لكم على سبب قطع رجولتي .
ثم تعلق ونزل من الحائط وفتح الباب ، فدخلوا وحطوا الشمع وحفروا حفرة على قد الصندوق بين أربعة قبور وصار كافور يحفر وصواب ينقل التراب بالقفف إلى أن حفروا نصف قامة ثم حطوا الصندوق في الحفرة وردوا عليه التراب وخرجوا من التربة وردوا الباب وغابوا عن عين غانم بن أيوب .
فلما خلا لغانم المكان وعلم أنه وحده اشتغل سره بما في الصندوق ، وقال في نفسه :
يا ترى أي شيء في الصندوق ?


ثم صبر حتى كشف الصندوق وخلصه ثم أخذ حجراً وضرب القفل فكسره وكشف الغطاء ونظر فرأى صبية نائمة مبنجة ونفسها طالع ونازل إلا أنها ذات حسن وجمال وعليها حلي ومساغ من الذهب وقلائد من الجوهر تساوي ملك السلطان ما يفي بثمنها مال فلما رآها غانم بن أيوب عرف أنهم تغامزوا عليها ، فلما تحقق ذلك الأمر عالج فيها حتى أخرجها من الصندوق وأرقدها على قفاها فلما استنشقت الأرياح ودخل الهواء في مناخرها عطست ثم شرقت وسعلت فوقع من حلقها قرص بنج لو شمه الفيل لرد من الليل إلى الليل ففتحت عينيها وأدارت طرفها ، وقالت بكلام فصيح :
ويلك يا ريح ما فيك ري للعطشان ، ولا أنس للريان أين زهر البستان .


فلم يجاوبها أحد فالتفتت وقالت : صبيحة شجرة الدرنور ، الهدى نجمة الصبح أنت في شهر نزهة حلوة ظريفة تكلموا فلم يجبها أحد .
فجالت بطرفها وقالت : ويلي عند إنزالي في القبور يا من يعلم ما في الصدور ويجازي يوم البعث والنشور من جاء بي من بين الستور والخدور ووضعني بين أربعة قبور .
هذا كله وغانم واقف على قدميه .
فقال لها : يا سيدتي لا خدور ولا قصور ولا قبور ، ما هذا إلا عبدك غانم بن أيوب ساقه إليك الملك وعلام الغيوب حتى ينجيك من هذه الكروب ويحصل لك غاية المطلوب .
وسكت فلما تحققت الأمر قالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
والتفتت إلى غانم وقد وضعت يديها على صدرها وقالت له بكلام عذب : أيها الشاب المبارك من جاء بي إلى هذا المكان فها أنا قد أفقت ?


فقال : يا سيدتي ثلاثة عبيد أتوا وهم حاملون هذا الصندوق .
ثم حكى لها ما جرى وكيف أمسى عليه المساء حتى كان سبب سلامتها وإلا كانت ماتت بغصتها ثم سألها عن حكايتها وخبرها فقالت له :
أيها الشاب الحمد لله الذي رماني عند مثلك فقم الآن وحطني في الصندوق واخرج إلى الطريق وأوصلني إلى بيتك ، فإذا صرت في دارك يكون خيراً وأحكي لك حكايتي وأخبرك بقصتي ويحصل لك الخير من جهتي .


ففرح وخرج إلى البرية وقد شعشع النهار وطلعت الشمس بالأنوار وخرجت الناس ومشوا فاكترى رجلاً ببغل وأتى به إلى التربة فحمل الصندوق بعدما حط فيه الصبية ، ووقعت محبتها في قلبه وسار بها وهو فرحان لأنها جارية تساوي عشرة آلاف دينار وعليها حلي وحلل يساوي مالاً جزيلاً وما صدق أن يصل إلى داره وأنزل الصندوق وفتحه .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .



إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest

الليلة السادسة والخمسين


تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن غانم بن أيوب وصل إلى داره بالصندوق وفتحه وأخرج الصبية منه ونظرت فرأت هذا المكان محلاً مليحاً مفروشاً بالبسط الملونة والأوان المفرحة وغير ذلك ورأت قماشاً محزوماً وأحمالاً وغير ذلك فعلمت أنه تاجر كبير صاحب أموال ، ثم إنها كشفت وجهها ونظرت إليه فإذا هو شاب مليح ، فلما رأته أحبته وقالت له :
هات لنا شيئاً نأكله .
فقال لها غانم : على الرأس والعين .


ثم نزل السوق واشترى خروفاً مشوياً وصحن حلاوة وأخذ معه نقلاً وشمعاً وأخذ معه نبيذاً وما يحتاج إليه الأمر من ألة المشموم وأتى إلى البيت ودخل بالحوائج فلما رأته الجارية ضحكت وقبلته واعتنقته وصارت تلاطفه فازدادت عنده المحبة واحتوت على قلبه ثم أكلا وشربا إلى أن أقبل الليل وقد أحب بعضهما بعضاً لأنهما كانا في سن واحد .
فلما أقبل الليل قام المتيم المسلوب غانم بن أيوب وأوقد الشموع والقناديل فأضاء المكان وأحضر آلة المدام ثم نصب الحضرة وجلس هو وإياها .
وكان يملأ ويسقيها وهي تملأ وتسقيه وهما يلعبان ويضحكان وينشدان الأشعار وزاد بهما الفرح وتعلقا بحب بعضهما فسبحان مؤلف القلوب ، ولم يزالا كذلك إلى قريب الصبح فغلب عليهما النوم فنام كل منهما في موضعه إلى أن أصبح الصباح فقام غانم بن أيوب وخرج إلى السوق ، واشترى ما يحتاج إليه من خضرة ولحم وخمر وغيره ،
وأتى به إلى الدار وجلس هو وإياها يأكلان ، فأكلا حتى اكتفيا وبعد ذلك أحضر الشراب وشربا ولعبا مع بعضهما حتى احمرت وجنتاهما واسودت أعينهما واشتاقت نفس غانم بن أيوب إلى تقبيل الجارية والنوم معها فقال لها :
يا سيدتي ائذني لي بقبلة في فيك لعلها تبرد نار قلبي ?


فقالت : يا غانم اصبر حتى أسكر وأغيب وأسمح لك سراً بحيث لم أشعر أنك قبلتني .
ثم إنها قامت على قدميها وخلعت بعض ثيابها وقعدت في قميص رفيع وكوفية فعند ذلك تحركت الشهوة عند غانم وقال :
يا سيدتي أما تسمحين لي بما طلبته منك ?
فقالت : والله لا يصح لك ذلك لأنه مكتوب على دكة سروالي قول صعب .
فانكسر خاطر غانم بن أيوب فأنشدت :

سألت من أمر ضنى ........ في قبلة تشفي السقم
فقـال لا لا أبــدا ........ قلت له نعم نـعـم
فقالت خذها بالرضا ........ من الحلال وابتسـم
فقلت غصباً قـال لا ........ ألا على رأس علـم
فلا تسل عما جـرى ........ واستغفر الله ونـم
فظن ما شئت بـنـا ........ فالحب يحلو بالتهم
ولا أبالـي بـعد أن ........ باح يومـاً أو كتم

ثم زادت محبته وانطلقت النيران في مهجته هذا وهي تتمنع منه وتقول :
ما لك وصول إلي .
ولم يزالا في عشقهما ومنادمتهما وغانم بن أيوب غريق في بحر الهيام وأما هي فإنها قد ازداد قسوة وامتناعاً ، إلى أن دخل الليل بالظلام وأرخى عليها ذيل المنام فقام غانم وأشعل القناديل وأوقد الشموع ، وزاد بهجة المقام وأخذ رجليها وقبلهما فوجدهما مثل الزبد الطري ، فمرغ وجهه عليها وقال :
يا سيدتي ارحمي أسير هواك ومن قتلت عيناك كنت سليم القلب لولاك .
ثم بكى قليلاً فقالت : أنا والله لك عاشقة وبك متعلقة ولكن أنا أعرف أنك لا تصل إلي .
فقال لها : وما المانع ?


فقالت له : سأحكي لك في هذه الليلة قصتي حتى تقبل عذري .
ثم إنها ترامت عليه وطوقت على رقبته بيديها وصارت تقبله وتلاطفه ثم وعدته بالوصال ولم يزالا يلعبان ويضحكان حتى تمكن حب بعضهما من بعض ولم يزالا على ذلك الحال وهما في كل ليلة ينامان في فراش واحد وكلما طلب منها الوصال تتعزز عنه مدة شهر كامل وتمكن حب كل واحد منهما من قلب الآخر ولم يبق لهما صبر عن بعضهما إلى أن كانت ليلة من الليالي
وهو راقد معها والاثنان سكرانان فمد يده على جسدها وملس ثم مر بيده على بطنها ونزر إلى سرتها فانتبهت وقعدت وتعهدت السروال فوجدته مربوطاً فنامت ثانياً فملس عليها بيده ونزل بها إلى سراويلها وتكتها وجذبها فانتبهت وقعدت وقعد غانم بجانبها .
فقالت له : ما الذي تريد ?
قال : أريد أن أنام معك وأتصافى أنا وأنت .
فعند ذلك ، قالت له : أنا الآن أوضح لك أمري حتى تعرف قدري وينكشف لك عذري .
قال : نعم .


فعند ذلك شقت ذيل قميصها ومدت يدها إلى تكة سروالها وقالت : يا سيدي اقرأ الذي على هذا الطرف .
فأخذ طرف التكة في يده ونظره فوجده مرقوماً عليه بالذهب :
أنا لك وأنت لي يا ابن عم النبي .
فلما قرأه نثر يده وقال لها : اكشفي لي عن خبرك ?
قالت : نعم أنا محظية أمير المؤمنين واسمي قوت القلوب وإن أمير المؤمنين لما رباني في قصره وكبرت نظر إلى صفائي وما أعطاني ربي من الحسن والجمال فأحبني محبة زائدة وأخذني وأسكنني في مقصورة وأمر لي بعشر جوار يخدمنني ثم إنه أعطاني ذلك المصاغ الذي تراه معي ثم إن الخليفة سافر يوماً من الأيام إلى بعض البلاد فجاءت السيدة زبيدة إلى بعض الجواري التي في خدمتي وقالت :
إذا نامت قوت القلوب فحطي هذه القلقة البنج في أنفها أو في شرابها ولك علي من المال ما يكفيك .
فقالت لها الجارية : حباً وكرامة .


ثم إن الجارية أخذت البنج منها وهي فرحانة لأجل المال ولكونها كانت في الأصل جاريتها فجاءت إلي ووضعت البنج في جوفي فوقعت على الأرض وصارت رأسي عند رجلي ورأيت نفسي في دنيا أخرى ولما تمت حيلتها حطتني في ذلك الصندوق وأحضرت العبيد سراً وأنعمت عليهم وعلى البوابين ، وأرسلتني مع العبيد في الليلة التي كنت نائماً فيها فوق النخلة وفعلوا معي ما رأيت ،
وكانت نجاتي على يديك وأنت أتيت بي إلى هذا المكان وأحسنت إلى غاية الإحسان وهذه قصتي وما أعرف الذي جرى للخليفة في غيبتي فأعرف قدري ولا تشهر أمري .
فلما سمع غانم بن أيوب كلام قوت القلوب وتحقق أنها محظية الخليفة تأخر إلى ورائه خيفة من هيبة الخليفة وجلس وحده في ناحية من المكان يعاتب نفسه ، ويتفكر في أمره وصار متحيراً في عشق التي ليس له إليها الوصول ، فبكى من شدة الغرام ولوعة الوجد والهيام وصار يشكو الزمان وما له من العدوان فسبحان من شغل قلوب الكرام بالمحبة ولم يعط الأنذال منها وزن حبة ، وأنشد هذين البيتين :

قلب المحب على الأحباب متعوب ........ وعقله مع بديع الحسن منهـوب
وقائل قال لي ما المحب قلت له ........ الحب عذب ولكن فيه تـعـذيب


فعند ذلك قامت إليه قوت القلوب واحتضنته وقبلته وتمكن حبه في قلبها وباحت له بسرها وما عندها من المحبة وطوقت على رقبته بيديها وقبلته وهو يتمنع عنها خوفاً من الخليفة ، ثم تحدثا ساعة من الزمان وهما غريقان في بحر محبة بعضهما إلى أن طلع النهار فقام غانم ولبس أتوابه وخرج إلى السوق على عادته وأخذ ما يحتاج إليه الأمر وجاء إلى البيت فوجد قوت القلوب تبكي فلما رأته سكتت عن البكاء وتبسمت وقالت له :
أوحشتني يا محبوب قلبي ، والله إن هذه الساعة التي غبتها عني كسنة فإني لا أقدر على فراقك وها أنا قد بينت لك حالي من شدة ولعي بك فقم الآن ودع ما كان واقض أربك مني .


قال : أعوذ بالله ، إن هذا شيء لا يكون كيف يجلس الكلب في موضع السبع والذي لمولاي يحرم علي أن أقربه .
ثم جذب نفسه منها وجلس في ناحية وزادت هي محبة بامتناعه عنها ثم جلست إلى جانبه ونادمته ولاعبته فسكرا وهامت بالافتضاح به فغنت منشدة هذه الأبيات :

قلب المتيم كـاد أن يتفـتـت ........ فإلى متى هذا الصدود إلى متى
يا معرضاً عني بغير جـناية ........ فعوائد الغزلان أن تتـلـفـتـا
صد وهـجر زائد وصـبابة ........ ما كل هذا الأمر يحمله الفتـى


فبكى غانم بن أيوب ، وبكت هي لبكائه ولم يزالا يشربان إلى الليل ، ثم قام غانم وفرش فرشين كل فرش في مكان وحده فقالت له قوت القلوب :
لمن هذا الفرش الثاني ?
فقال لها : هذا لي والآخر لك ومن الليلة لا ننام إلا على هذا النمط وكل شيء للسيد حرام على العبد .
فقالت : يا سيدي دعنا من هذا وكل شيء يجري بقضاء وقدر .
فأبى فانطلقت النار في قلبها وزاد غرامها فيه وقالت : والله ما ننام إلا سوياً .
فقال : معاذ الله .
وغلب عليها ونام وحده إلى الصباح فزاد بها العشق والغرام ، واشتد بها الوجد والهيام وأقاما على ذلك ثلاثة أشهر طوال وهي كلما تقرب منه يمتنع عنها ويقول :
كل ما هو مخصوص بالسيد حرام على العبد .
فلما طال بها المطال مع غانم بن أيوب المسلوب وزادت بها الشجون والكروب أنشدت هذه الأبيات :

بديع الحسن كما هذا التجنـي ........ ومن أغراك بالإعراض عني
حويت من الرشاقة كل معنى ........ وحوت من الملاحة كل فـن
وأجريت الغرام لكل قـلـب ........ وكللت السهاد بكل جـفـن
وأعرف قلبك الأغصان تجني ........ فيا غصن الأراك أراك تجني
وعهدي بالظبا صيد فمـالي ........ أراك تصيد أرباب المـجـن
وأعجب ما أحدث عنك أنـي ........ فتنت وأنت لم تعلـم بـأنـي
فلا تسمح بوصلك لي فإنـي ........ أغار عليك منك فكيف مني
ولست بقائل ما دمـت حـياً ........ بديع الحسن كما هذا التجني


وأقاموا على هذا الحال مدة والخوف يمنعه عنها فهذا ما كان من أمر المتيم المسلوب غانم بن أيوب .
وأما ما كان من أمر زبيدة فإنها في غيبة الخليفة فعلت بقوت القلوب ذلك الأمر ، ثم صارت متحيرة تقول في نفسها ما أقول للخليفة إذا جاء وسأل عنها وما يكون جوابي له ، فدعت بعجوز كانت عندها وأطلعتها على سرها ، وقالت لها :
كيف أفعل وقوت القلوب قد فرط فيها الفرط ؟


فقالت لها العجوز لما فهمت الحال : اعلمي يا سيدتي أنه قرب مجيء الخليفة ولكن أرسلي إلى النجار وأمريه أن يعمل صورة ميت من خشب ويحفروا له قبراً وتوقد حوله الشموع والقناديل وأمري كل من في القصر أن يلبسوا الأسود وأمري جواريك والخدام إذا علموا أن الخليفة أتى من سفره أن يشيعوا الحزن في الدهليز فإذا دخل وسأل عن الخبر يقول :
إن قوت القلوب ماتت ويعظم الله أجرك فيها ومن معزتها عند سيدتنا دفنتها في قصرها .
فإذا سمع ذلك يبكي ويعز عليه ثم يسهر القراء على قبرها لقراءة الختمان فإن قال في نفسه إن بنت عمي زبيدة من غيرتها سعت في هلاك قوت القلوب أو غلب عليه الهيام فأمر بإخراجها من القبر فلا تفزعي من ذلك ولو حفروا على تلك الصورة التي على هيئة ابن آدم ، وأخرجوا وهي مكفنة بالأكفان الفاخرة فإن أراد الخليفة إزالة الأكفان عنها لينظرها فامنعيه أنت من ذلك والأخرى تمنعه وتقول :
رؤية عورتها حرام فيصدق حينئذ أنها ماتت .


فيردها إلى مكانها ويشكرك على فعلك وتخلصين إن شاء الله تعالى من هذه الورطة .
فلما سمعت السيدة زبيدة كلامها ورأت أنه صواب خلعت عليها وأمرتها أن تفعل ذلك بعدما أعطتها جملة من المال فشرعت العجوز في ذلك الأمر حالاً ، وأمرت النجار أن يعمل لها صورة كما ذكرنا وبعد تمام الصورة جاءت
بها إلى السيدة زبيدة فكفنتها وأوقدت الشموع والقناديل وفرشت البسط حول القبر ، ولبست السواد وأمرت الجواري أن يلبسن السواد واشتهر الأمر في القصر أن قوت القلوب ماتت ثم بعد مدة أقبل الخليفة من غيبته وطلع إلى قصره ولكن ما شغل إلا قوت القلوب فرأى الغلمان والخدام والجواري كلهم لابسين السواد فارتجف فؤاده .

فلما دخل القصر على السيدة زبيدة رآها لابسة السواد فسأل عن ذلك فأخبروه بموت قوت القلوب ، فوقع مغشياً عليه فلما أفاق سأل عن قبرها ، فقالت له السيدة زبيدة :
اعلم يا أمير المؤمنين أنني من معزتها عندي دفنتها في قصري .


فدخل الخليفة بثياب السفر إلى القصر ليزور قوت القلوب فوجد البسط مفروشة والشموع والقناديل موقودة ، فلما رأى ذلك شكرها على فعلها ، ثم إنه صار حائراً في أمره لم يزل ما بين مصدق ومكذب فلما غلب عليه الوسواس أمر بحفر القبر وإخراجها منه فلما رأى الكفن وأراد أن يزيله عنها ليراها خاف من الله تعالى فقالت العجوز :
ردوها إلى مكانها .
ثم إن الخليفة أمر في الحال بإحضار الفقهاء والمقرئين ، وقرؤوا الختمات على قبرها وجلس بجانب القبر يبكي إلى أن غشي عليه ولم يزل قاعداً على قبرها شهراً كاملاً .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .






إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest

الليلة السابعة والخمسين


تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة دخل الحريم بعد انفضاض الأمراء والوزراء من بين يديه إلى بيوتهم ونام ساعة فجلست عند رأسه جارية وعند رجليه جارية وبعد أن غلب عليه النوم تنبه وفتح عينيه فسمع الجارية التي عند رأسه تقول للتي عند رجليه :
ويلك يا خيزران .
قالت : لأي شيء يا قضيب ?
قالت لها : إن سيدنا ليس عنده علم بما جرى حتى أنه يسهر على قبر لم يكن فيه إلا خشبة منجرة صنعة النجار .
فقالت لها الأخرى : وقوت القلوب أي شيء أصابها ?
فقالت : اعلمي أن السيدة زبيدة أرسلت مع جارية بنجاً وبنجتها فلما تحكم البنج منها وضعتها في صندوق وأرسلتها مع صواب وكافور وأمرتهما أن يرمياها في التربة .
فقالت خيزران : ويلك يا قضيب هل السيدة قوت القلوب لم تمت ?
فقالت : سلامة شبابها من الموت ولكن أنا سمعت السيدة زبيدة تقول إن قوت القلوب عند شاب تاجر اسمه غانم الدمشقي وأن لها عنده إلى هذا اليوم أربعة أشهر وسيدنا هذا يبكي ويسهر الليالي على قبر لم يكن فيه الميت .
وصارتا تتحدثان بهذا الحديث والخليفة يسمع كلامهما .


فلما سمع فرغ الجاريتان من الحديث وعرف القضية وأن هذا القبر زور وأن قوت القلوب عند غانم بن أيوب مدة أربعة أشهر غضب غضباً شديداً وقام وأحضر أمراء دولته فعند ذلك أقبل الوزير جعفر البرمكي وقبل الأرض بين يديه ، فقال له الخليفة بغيظ :
انزل يا جعفر بجماعة واسأل عن بيت غانم بن أيوب واهجموا على داره وائتوني بجاريتي قوت القلوب ولا بد لي أن أعدمه .
فأجابه جعفر بالسمع والطاعة فعند ذلك نزل جعفر وأتباعه والوالي صحبته ولم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى دار غانم كان غانم خرج في ذلك الوقت وجاء بقدر لحم واراد أن يمد يده ليأكل منها هو وقوت القلوب فلاحت منه التفاتة فوجد البلاط أحاط بالدار والوزير والوالي والظلمة والمماليك بسيوف مجردة وداروا به كما يدور بالعين السواد فعند ذلك عرفت أن خبرها وصل إلى الخليفة سيدها فأيقنت بالهلاك واصفر لونها وتغيرت محاسنها ثم أنها نظرت إلى غانم وقالت له :
يا حبيبي فر بنفسك .
فقال لها : كيف أعمل وإلى أين أذهب ? ومالي ورزقي في هذا الدار ?
فقالت له : لا تمكث لئلا تهلك ويذهب مالك .


فقال لها : يا حبيبتي ونور عيني كيف أصنع في الخروج وقد أحاطوا بالدار ? فقالت له : لا تخف .
ثم إنها نزعت ما عليه من الثياب وألبسته خلقاناً بالية ، وأخذت القدر التي كان فيها اللحم ووضعتها فوق رأسه وحطت فيها بعض خبز وزبدية طعام وقالت له : اخرج بهذه الحيلة ولا عليك مني فأنا أعرف أي شيء في يدي من الخليفة .
فلما سمع غانم كلام قوت القلوب وما أشارت عليه به ، خرج من بينهم وهو حامل القدر وستر عليه الستار ونجا من المكايد والأضرار ببركة نيته ، فلما وصل الوزير جعفر إلى ناحية الدار ترجل عن حصانه ودخل البيت ونظر إلى قوت القلوب وقد تزينت وتبهرجت وملأت صندوقاً من ذهب ومصاغ وجواهر وتحف مما خف حمله وغلا ثمنه ، فلما دخل عليها جعفر قامت على قدميها وقبلت الأرض بين يديه وقالت له :
يا سيدي جرى أنكم بما حكم الها .


فلما رأى ذلك جعفر قال لها : والله يا سيدتي إنه ما أوصاني إلا بقبض غانم بن أيوب .
فقالت : اعلم أنه حزم تجاراته وذهب إلى دمشق ولا علم لي بغير ذلك واريد أن تحفظ لي الصندوق وتحمله إلى قصر أمير المؤمنين .
فقال :جعفر السمع والطاعة .
ثم أخذ الصندوق وأمر بحمله وقوت القلوب معهم إلى دار الخلافة وهي مكرمة معززة وكان هذا بعد أن نهبوا دار غانم ، ثم توجهوا إلى الخليفة فحكى له جعفر جميع ما جرى فأمر الخليفة لقوت القلوب بمكان مظلم وأسكنها فيه وألزم بها عجوزاً لقضاء حاجتها لأنه ظن أن غانماً فحش بها ثم كتب مكتوباً للأمير محمد بن سليمان الزيني وكان نائباً في دمشق ومضمونه :
ساعة وصول المكتوب إلى يديك تقبض على غانم بن أيوب وترسله إلي .
فلما وصل المرسوم إليه قبله ووضعه على رأسه ونادى في الأسواق :
من أراد أن ينهب فعليه بدار غانم بن أيوب .


فجاؤوا إلى الدار فوجدوا أم غانم ، وأخته قد صنعتا لهما قبراً وقعدتا عنده تبكيان فقبضوا عليهما ونهبوا الدار ولم يعلما ما الخبر ، فلما أحضرهما عند السلطان سألهما عن غانم بن أيوب ، فقالتا له :
من مدة سنة ما وقفنا له على خبر .
فردوهما إلى مكانهما ، هذا ما كان من أمرهما .
وأما ما كان من أمر غانم بن أيوب المتيم المسلوب ، فإنه لما سلبت نعمته تحير في أمره وصار يبكي على نفسه حتى انفطر قلبه وسار ولم يزل سائراً إلى آخر النهار وقد ازداد به الجوع وأضر به المشي حتى وصل إلى بلد فدخل المسجد وجلس على برش وأسند ظهره إلى حائط المسجد وارتمى وهو في غاية الجوع والتعب ولم يزل مقيماً هناك إلى الصباح ،
وقد خفق قلبه من الجوع وركب جلده القمل وصارت رائحته منتنة وتغيرت أحواله ، فأتى أهل تلك البلدة يصلون الصبح فوجدوه مطروحاً ضعيفاً من الجوع وعليه آثار النعمة لائحة فلما أقبلوا عليه وجدوه بردان جائعاً ، فألبسوه ثوباً عتيقاً قد بليت أكمامه وقالوا له :
من أين أنت يا غريب ، وما سبب ضعفك ?


ففتح عينيه ونظر إليهم وبكى ولم يرد عليهم جواباً ، ثم إن بعضهم عرف شدة جوعه فذهب وجاء له بكرجة عسل ورغيفين فأكل وقعدوا عنده حتى طلعت الشمس ، ثم انصرفوا لأشغالهم ولم يزل على هذه الحالة شهراً وهو عندهم وقد تزايد عليه الضعف والمرض فتعطفوا عليه وتشاوروا مع بعضهم في أمره ، ثم اتفقوا على أن يوصلوه إلى المارستان الذي ببغداد .
فبينما هم كذلك وإذا بامرأتين سائلتين قد دخلتا عليه وهما أمه وأخته ، فلما رآهما أعطاهما الخبز الذي عند رأسه ونامتا عنده تلك الليلة ولم يعرفهما فلما كان ثاني يوم أتاه أهل القرية وأحضروا جملاً وقالوا لصاحبه :
احمل هذا الضعيف فوق الجمل فإذا وصلت إلى بغداد فأنزله على باب المارستان لعله يتعافى فيحصل لك الأجر .
فقال لهم : السمع والطاعة .
ثم إنهم أخرجوا غانم بن أيوب من المسجد وحملوه بالبرش الذي هو نائم عليه فوق الجمل وجاءت أمه وأخته يتفرجان عليه من جملة الناس ولم يعلما به ثم نظرتا إليه وتأملتاه وقالتا :
إنه يشبه غانماً ابننا فيا ترى هل هو هذا الضعيف أو لا ?


وأما غانم فإنه لم يفق إلا وهو محمول فوق الجمل ، فصار يبكي وينوح وأهل القرية ينظرون وأمه وأخته تبكيان عليه ولم يعرفانه ثم سافرت أمه وأخته إلى أن وصلتا إلى بغداد وأما الجمال فإنه لم يزل سائراً به حتى أنزله على باب المارستان وأخذ جمله ورجع فمكث غانم راقداً هناك إلى الصباح .
فلما درجت الناس في الطريق نظروا إليه وقد صار رق الحلال ولم يزل الناس يتفرجون عليه حتى جاء شيخ السوق ومنع الناس عنه ، وقال :
أنا أكتسب الجنة بهذا المسكين لأنهم متى أدخلوه المارستان قتلوه في يوم واحد .
ثم أمر صبيانه بحمله إلى بيته وفرش له فرشاً جديداً ووضع له مخدة جديدة وقال لزوجته : اخدميه يصح .
فقالت : على الرأس .


ثم تشمرت وسخنت له ماء وغسلت يديه ورجليه وبدنه والبسته ثوباً من لبس جواريها وسقته قدح شراب ورشت عليه ماء ورد فأفاق وتذكر محبوبته قوت القلوب فزادت به الكروب .
هذا ما كان من أمره .
وأما ما كان من أمر قوت القلوب فإنه لما غضب عليها الخليفة .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .







إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة الثامنة والخمسين

تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة


قالت شهرزاد :



بلغني أيها الملك السعيد أن قوت القلوب لما غضب عليها الخليفة وأسكنها في مكان مظلم استمرت فيه على هذا الحال ثمانين يوماً ، فاتفق أن الخليفة مر يوماً من الأيام على ذلك المكان فسمع قوت القلوب تنشد الأشعار فلما فرغت من إنشادها قالت :
يا حبيبي يا غانم ما أحسنك وما أعف نفسك قد أحسنت لمن أساءك وحفظت حرمة من انتهك حرمتك وسترت حريمه ، وهو سباك وسبى أهلك ولا بد أن تقف أنت وأمير المؤمنين بين يدي حاكم عادل وتنتصف عليه في يوم يكون القاضي هو الله ، والشهود هم الملائكة .
فلما سمع الخليفة كلامها وفهم شكواها علم أنها مظلومة فدخل قصره وأرسل الخادم لها فلما حضرت بين يديه أطرقت وهي باكية العين حزينة القلب ، فقال :
يا قوت القلوب أراك تنظلمين مني وتنسبينني إلى الظلم وتزعمين أني أسأت إلى من أحسن إلي فمن هو الذي حفظ حرمتي وانتهكت حرمته وستر حريمي وسبيت حريمه .


فقالت له : غانم بن أيوب فإنه لم يقربني بفاحشة وحق نعمتك يا أمير المؤمنين .
فقال الخليفة : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم يا قوت القلوب تمني علي فأنا أبلغك مرادك .
قالت : تمنيت عليك محبوبي غانم بن أيوب .
فلما سمع كلامها قال : أحضره إن شاء الله مكرماً .
فقالت : يا أمير المؤمنين إن أحضرته أتهبني له ?
فقال : إن أحضرته وهبتك هبة كريم لا يرجع في عطائه .
فقالت : يا أمير المؤمنين ائذن لي أن أدور عليه لعل الله يجمعني به ?
فقال لها : افعلي ما بدا لك .


ففرحت وخرجت ومعها ألف دينار فزارت المشايخ وتصدقت عنه وطلعت ثاني يوم إلى التجار وأعطت عريف السوق دراهم وقالت له :
تصدق بها على الغرباء .
ثم طلعت ثاني جمعة ومعها ألف دينار ودخلت سوق الصاغة وسوق الجواهرجية وطلبت عريف السوق فحضر فدفعت له ألف دينار وقالت له :
تصدق بها على الغرباء .
فظهر إليها العريف وهو شيخ السوق وقال لها : هل لك أن تذهبي إلى داري وتنظري إلى هذا الشاب الغريب ما أظرفه وما أكمله ?
وكان هو غانم بن أيوب المتيم المسلوب ولكن العريف ليس له به معرفة وكان يظن أنه رجل مسكين مديون سلبت نعمته أو عاشق فارق أحبته ، فلما سمعت كلامه خفق قلبها وتعلقت به أحشاؤها .
فقالت له : أرسل معي من يوصلني إلى دارك .


فأرسل معها صبياً صغيراً ، فأوصلها إلى الدار التي فيها الغريب فشكرته على ذلك فلما دخلت تلك الدار وسلمت على زوجة العريف قامت زوجة العريف وقبلت الأرض بين يديها لأنها عرفتها فقالت لها قوت القلوب :
أين الضعيف الذي عندكم ?
فبكت وقالت : ها هو يا سيدتي إلا أنه ابن ناس وعليه أثر النعمة .
فالتفتت إلى الفرش الذي هو راقد عليه وتأملته فرأته كأنه هو بذاته ولكنه قد تغير حاله وزاد نحوله ورق إلى أن صار كالخلال وأنبهم عليها أمره فلم تتحقق أنه هو ولكن أخذتها الشفقة عليه فصارت تبكي وتقول :
إن الغرباء مساكين وإن كانوا أمراء في بلادهم .
ورتبت له الشراب والأدوية ، ثم جلست عند رأسه ساعة وركبت وطلعت إلى قصرها وصارت تطلع في كل سوق لأجل التفتيش على غانم ثم أن العريف أتى بأمه وأخته فتنة ودخل بهما على قوت القلوب وقال :
يا سيدة المحسنات قد دخل مدينتنا في هذا اليوم امرأة وبنت ، وهما من وجوه الناس وعليهما أثر النعمة لائح لكنهما لابستان ثياباً من الشعر وكل واحدة معلقة في رقبتها مخلاة وعيونهما باكية وقلوبهما حزينة ، وها أنا أتيت بهما إليك لتأويهما وتصونيهما من ذل السؤال لأنهما لستا أهلاً لسؤال اللئام وإن شاء الله ندخل بسببهما الجنة .


فقالت : والله يا سيدي لقد شوقتني إليهما واين هم ?
فأمرهما بالدخول فعند ذلك دخلت فتنة وأمها على قوت القلوب فلما نظرتهما قوت القلوب وهما ذاتا جمال بكت عليهما ، وقالت :
والله إنهما أولاد نعمة ويلوح عليهما أثر الغنى .
فقال العريف : يا سيدتي إننا نحب الفقراء والمساكين لأجل الثواب وهؤلاء ربما جار عليهم الظلمة وسلبوا نعمتهم وأخربوا ديارهم .
ثم إن المرأتين بكيتا بكاء شديداً وتفكرتا غانم بن أيوب المتيم المسلوب فزاد نحيبهما فلما بكيتا بكت قوت القلوب لبكائهما


ثم إن أمه قالت : نسأل الله أن يجمعنا بمن نريده وهو ولدي غانم بن أيوب .
فلما سمعت قوت القلوب هذا الكلام علمت أن هذه المرأة أم معشوقها وأن الأخرى أخته فبكت هي حتى غشي عليها ، فلما أفاقت أقبلت عليهما وقالت لهما :
لا بأس عليكما فهذا اليوم يوم سعادتكما ، وآخر شقاوتكما فلا تحزنا .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .



إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة التاسعة والخمسين

تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن قوت القلوب قالت لهما :
لا تحزنا .
ثم أمرت العريف أن يأخذهما إلى بيته ويخلي زوجته تدخلهما الحمام وتلبسهما ثياباً حسنة وتتوصى بهما وتكرمهما غاية الإكرام وأعطته جملة من المال ، وفي ثاني يوم ركبت قوت القلوب وذهبت إلى بيت العريف ودخلت عند زوجته فقامت إليها وقبلت يديها وشكرت إحسانها ، ورأت أم غانم وأخته وقد أدخلتهما زوجة العريف الحمام ونزعت ما عليهما من الثياب فظهرت عليهما آثار النعمة فجلست تحادثهما ساعة ثم سألت زوجة العريف عن المريض الذي عندها فقالت :
هو بحاله .


فقالت : قوموا بنا نطل عليه ونعود .
فقامت هي وزوجة العريف وأم غانم وأخته ودخلن عليه وجلسن عنده .
فلما سمعهن غانم بن أيوب المتيم المسلوب يذكرن قوت القلوب وكان قد انتحل جسمه ورق عظمه ردت له روحه ورفع رأسه من فوق المخدة ونادى :
يا قوت القلوب .
فنظرت إليهم وتحققته فعرفته وصاحت بدورها : نعم يا حبيبي .
فقال لها : اقربي مني .
فقالت له : لعلك غانم بن أيوب المتيم المسلوب .
فقال لها : نعم أنا هو .
فعند ذلك وقعت مغشياً عليها .
فلما سمعت أمه وأخته كلامهما صاحتا بقولهما : وافرحتاه .


ووقعتا مغشياً عليهما وبعد ذلك استفاقتا فقالت له قوت القلوب : الحمد لله الذي جمع شملنا بك وبأمك وأختك .
وتقدمت إليه وحكت له جميع ما جرى لها مع الخليفة وقالت : إني قلت له قد أظهرت لك الحق يا أمير المؤمنين فصدق كلامي ورضي عنك وهو اليوم يتمنى أن يراك .
ثم قالت لغانم : إن الخليفة وهبني لك .
ففرح بذلك غاية الفرح فقالت لهم قوت القلوب : لا تبرحوا حتى أحضر .


ثم إنها قامت من وقتها وساعتها وانطلقت إلى قصرها وحملت الصندوق الذي أخذته من داره وأخرجت منه دنانير وأعطت العريف إياها وقالت له :
خذ هذه الدنانير واشتر لكل شخص منهم أربع بدلات كوامل من أحسن القماش وعشرين منديلاً وغير ذلك مما يحتاجون إليه ثم إنها دخلت بهما وبغانم الحمام وأمرت بغسلهم وعملت لهم المساليق وماء الخولجان وماء التفاح بعد أن خرجوا من الحمام ولبسوا الثياب وأقامت عندهم ثلاثة أيام وهي تطعمهم لحم الدجاج والمساليق وتسقيهم السكر
المكرر وبعد ثلاثة أيام ردت لهم أرواحهم وأدخلتهم الحمام ثانياً وخرجوا وغيرت عليهم الثياب وخلتهم في بيت العريف وذهبت إلى الخليفة وقبلت الأرض بين يديه وأعلمته بالقصة وأنه قد حضر سيدها غانم بن أيوب المتيم المسلوب وأن أمه وأخته قد حضرتا .
فلما سمع الخليفة كلام قوت القلوب قال للخدام : علي بغانم .
فنزل جعفر إليه وكانت قوت القلوب قد سبقته ودخلت على غانم وقالت له : إن الخليفة قد أرسل إليك ليحضرك بين يديه فعليك بفصاحة اللسان وثبات الجنان وعذوبة الكلام .


وألبسته حلة فاخرة وأعطته دنانير بكثرة وقالت له : أكثر البذل إلى حاشية الخليفة وأنت داخل عليه .
وإذا بجعفر أقبل عليه وهو على بغلته فقام غانم وقابله وحياه وقبل الأرض بين يديه وقد ظهر كوكب سعده وارتفع طالع مجده فأخذه جعفر ولم يزالا سائرين حتى دخلا على أمير المؤمنين ، فلما حضرا بين يديه نظر إلى الوزراء والأمراء والحجاب والنواب وأرباب الدولة وأصحاب الصولة وكان غانم فصيح اللسان ثابت الجنان رقيق العبارة أنيق الإشارة فأطرق برأسه إلى الأرض ، ثم نظر إلى الخليفة وأنشد هذه الأبيات :

أفديك من ملك عظـيم الـشـان ........ متتابع الحسنـات والإحـسـان
متوقد العزمات فياض الـنـدى ........ حدث عن الطوفان والـنـيران
لا يلجون بغيره مـن قـيصـر ........ في ذا المقام وصاحـب الإيوان
تضع الملوك على ثرى أعتابـه ........ عند السلام جواهر الـتـيجـان
حتى إذا شخصت له أبصارهـم ........ خروا لهيبته عـلـى الأذقـان
ويفيدهم ذاك المقام مع الرضـا ........ رتب العلا وجلالة السلـطـان
ضاقت بعسكرك الفيافي والفـلا ........ فاضرب خيامك في ذرى كيوان
وأقري الكواكب بالمواكب محسناً ........ لشريف ذاك العالم الروحانـي
وملكت شامخة الصياصي عنوة ........ من حسن تدبير وثبت جـنـان
ونشرت عدلك في البسيطة كلها ........ حتى استوى القاصي بها والداني


فلما فرغ من شعره طرب الخليفة من محاسن رونقه وأعجبه فصاحة لسانه وعذوبة منطقه .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .






إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة الستين

تكملة حكاية التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة
وبداية حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان




قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن غانم بن أيوب لما أعجب الخليفة فصاحته ونظمه وعذوبة منطقه قال له :
ادن مني .
فدنا منه ثم قال له : اشرح لي قصتك وأطلعني على حقيقة خبرك .
فقعد وحدث الخليفة بما جرى له من المبتدأ إلى المنتهى ، فلما علم الخليفة أنه صادق خلع عليه وقربه إليه وقال :
أبري ذمتي .
فأبرأ ذمته وقال له : يا أمير المؤمنين إن العبد وما ملكت يداه لسيده .
ففرح الخليفة بذلك ثم أمر أن يفرد له قصر ورتب له من الجوامك والجرايات شيئاً كثيراً فنقل أمه وأخته إليه وسمع الخليفة بأن أخته فتنة في الحسن فخطبها منه وقال له غانم :
إنها جاريتك وأنا مملوكك .


فشكره وأعطاه مائة ألف دينار وأتى بالقاضي والشهود وكتبوا الكتاب ودخل هو وغانم في نهار واحد فدخل الخليفة على فتنة وغانم بن أيوب على قوت القلوب فلما أصبح الصباح أمر الخليفة أن يؤرخ جميع ما جرى لغانم من أوله إلى آخره وأن يدون في السجلات لأجل أن يطلع عليه من يأتي بعده فيتعجب من تصرفات الأقدار ويفوض الأمر إلى خالق الليل والنهار وليس هذا بأعجب من حكاية عمر النعمان وولده ضوء المكان وما جرى لهم من العجائب والغرائب .
قال الملك شهريار : وما حكايتهم ?




قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أنه كان بمدينة دمشق قبل خلافة عبد الملك بن مروان ملك يقال له عمر النعمان وكان من الجبابرة الكبار وقد قهر الملوك الأكاسرة والقياصرة وكان لا يصطلى له بنار ولا يجاريه أحد في مضمار وإذا غضب يخرج من منخريه لهيب النار وكان قد ملك جميع الأقطار ونفذ حكمه في سائر القرى والأمصار وأطاع له جميع العباد
ووصلت عساكره إلى أقصى البلاد ودخل في حكمه المشرق والمغرب وما بينهما من الهند والسند والصين واليمن والحجاز والسودان والشام والروم وديار بكر وجزائر البحار وما في الأرض من مشاهير الأنهار كسيحون وحجيجون والنيل والفرات وأرسل رسله إلى أقصى البلاد ليأتوا بحقيقة الأخبار فرجعوا وأخبروه بأن سائر الناس أذعنت لطاعته وجميع الجبابرة خضعت لهيبته وقد عمهم بالفضل والامتنان وأشاع بينهم العدل والأمان لأنه كان عظيم الشأن وحملت إليه الهدايا من الكل فكان واجبي إليه خراج الأرض في طولها وعرضها .


وكان له ولد وقد سماه شركان لأنه نشأ آفة من آفات الزمان وقهر الشجعان وأباد الأقران فأحبه والده حباً شديداً ما عليه من مزيد وأوصى له بالملك من بعده .
ثم إن شركان هذا حين بلغ مبلغ الرجال وصار له من العمر عشرون سنة أطاع له جميع العباد لما به من شدة البأس والعناد وكان والده عمر النعمان له اربع نساء بالكتاب والسنة لكنه لم يرزق منهن بغير شركان وهو من إحداهن والباقيات عواقر لم يرزق من واحدة منهن بولد ومع ذلك كله كان له ثلاثمائة وستون سرية على عدد أيام السنة القبطية وتلك السراري من سائر الأجناس وكان قد بنى لكل واحدة منهن مقصورة وكانت المقاصير من داخل القصر ،
فإنه بنى اثني عشر قصراً على عدد شهور السنة وجعل في كل قصر ثلاثين مقصورة فكانت جملة المقاصير ثلاثمائة وستون مقصورة وأسكن تلك الجواري في هذه المقاصير وفرض لكل سرية منهن ليلة يبيتها عندها
ولا يأتيها إلا بعد سنة كاملة ، فأقام على ذلك مدة من الزمن ، ثم إن ولده شركان اشتهر في سائر الأنحاء ففرح به والده وازداد قوة فطغى وتجبر وفتح الحصون والبلاد واتفق بالأمر المقدر أن جارية من جواري النعمان قد حملت واشتهر حملها وعلم الملك بذلك ففرح فرحاً شديداً وقال :
لعل ذريتي ونسلي تكون كلها ذكوراً .

فأرخ يوم حملها وصار يحسن إليها فعلم شركان بذلك فاغتم وعظم الأمر .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .




إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest
الليلة الواحدة والستين

تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان


قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن شركان لما علم أن جارية أبيه قد حملت اغتم وعظم عليه ذلك وقال :
قد جاءني من ينازعني في المملكة .
فأضمر في نفسه أن هذه الجارية إن ولدت ذكر أقتله وكتم ذلك في نفسه ، هذا ما كان من أمر شركان .
وأما ما كان من أمر الجارية فإنها كانت رومية وكان قد بعثها إليه هدية ملك الروم صاحب قيسارية وأرسل معها تحفاً كثيرة وكان اسمها صفية وكانت أحسن الجواري وأجملهن وجهاً وأصونهن عرضاً وكانت ذات عقل وافر وجمال باهر وكانت تخدم الملك ليلة مبيته عندها وتقول له :
أيها الملك كنت أشتهي من إله السماء أن يرزقك مني ولد ذكراً حتى أحسن تربيته لك وأبالغ في أدبه وصيانته .


فيفرح الملك ويعجبه ذلك الكلام ، فما زالت كذلك حتى كملت أشهرها فجلست على كرسي الطلق وكانت على صلاح تحسن العبادة فتصلي وتدعو الله أن يرزقها بولد صالح ويسهل عليها ولادته فتقبل الله منها دعاءها وكان الملك قد وكل بها
خادماً يخبره بما تضعه هل هو ذكر أو أنثى وكذلك ولده شركان كان أرسل من يعرفه بذلك ، فلما وضعت صفية ذلك المولود تأملته القوابل فوجدنه بنتاً بوجه أبهى من القمر ، فأعلمن الحاضرين بذلك فرجع رسول الملك وأخبره بذلك وكذلك رسول شركان أخبره بذلك ففرح فرحاً شديداً .
فلما انصرف الخدام قالت صفية للقوابل : أمهلوا علي ساعة فإني أحس بأن أحشائي فيها شيء آخر ، ثم تأوهت وجاءها الطلق ثانياً وسهل الله عليها فوضعت مولوداً ثانياً فنظرت إليه القوابل فوجدته ذكراً يشبه البدر بجبين أزهر وخد أحمر مورد ففرحت به الجارية والخدام والحشم وكل من حضر ورمت صفية الخلاص وقد أطلقوا الزغاريد في القصر فسمع بقية الجواري بذلك فحسدنها .


وبلغ عمر النعمان الخبر ففرح واستبشر وقام ودخل عليها وقبل رأسها ونظر إلى المولود ثم انحنى وقبله وضربت الجواري بالدفوف ولعبت بالآلات وأمر الملك أن يسموا المولود ضوء المكان وأخته نزهة الزمان فامتثلوا أمره وأجابوه بالسمع والطاعة ،
ورتب لهم من يخدمهم من المراضع والخدم والحشم ورتب لهم الرواتب من السكر والأشربة والأدهان وغير ذلك مما يكل عن وصفه اللسان .
وسمع أهل دمشق وأقبل الأمراء والوزراء وأرباب الدولة وهنئوا الملك عمر النعمان بولده ضوء المكان وبنته نزهة الزمان فشكرهم الملك على ذلك وخلع عليهم وزاد إكرامهم من الأنعام وأحسن إلى الحاضرين من الخاص والعام ،
وما زال على تلك الحالة إلى أن مضت أربعة أعوام وهو في كل يوم يسأل عن صفية وأولادها ، وبعد الأربعة أعوام أمر أن ينقل إليها من المصاغ والحلي والحمل والأموال شيء كثير وأوصاهم بتربيتهما وحسن أدبهما ،
كل هذا وابن الملك شركان لا يعلم أن والده عمر النعمان رزق ولداً ذكراً ولم يعلم أنه رزق سوى نزهة الزمان وأخفوا عليه خبر ضوء المكان إلى أن مضت أيام وأعوام وهو مشغول بمقارعة الشجعان ومبارزة الفرسان .


فبينما عمر النعمان جالس يوماً من الأيام إذ دخل عليه الحجاب وقبلوا الأرض بين يديه وقالوا :
أيها الملك قد وصلت إلينا رسل من ملك الروم صاحب القسطنطينية العظمى وإنهم يريدون الدخول عليك والتمثل بين يديك فإن أذن لهم الملك بذلك ندخلهم وإلا فلا مرد لأمره .
فعند ذلك أمر لهم بالدخول فلما دخلوا عليه مال إليهم وأقبل عليهم وسألهم عن حالهم وما سبب إقبالهم فقبلوا الأرض بين يديه
وقالوا : أيها الملك الجليل صاحب الباع الطويل اعلم أن الذي أرسلنا إليك الملك أفريدون صاحب البلاد اليونانية
والعساكر النصرانية المقيم بمملكة القسطنطينية يعلمك أنه اليوم في حرب شديد مع جبار عنيد هو صاحب قيسارية والسبب في ذلك أن بعض ملوك العرب اتفق أنه وجد في بعض الفتوحات كنزاً من قديم الزمان في عهد الإسكندر فنقل منه أموالاً لا تعد ولا تحصى ،
ومن جملة ما وجد فيه ثلاث خرزات مدورات على قدر بيض النعام ، وتلك الخرزات من أغلى الجواهر الأبيض الخالص الذي لا يوجد له نظير وكل خرزة منقوش عليها بالقلم اليوناني أمور من الأسرار ولهن منافع وخواص كثيرة ومن خواصهن أن كل مولود علقت عليه خرزة منهن لم يصبه ألم ما دامت الخرزة معلقة عليه ولا يحمي ولا يسخن .


فلما وضع يده عليها ووقع بها وعرف ما فيها من الأسرار أرسل إلى الملك أفريدون هدية من التحف والمال ومن جملتها الثلاث خرزات وجهز مركبين واحد فيه مال والآخر فيه رجال يحفظون تلك الهدايا ممن يتعرض لها في البحر ، وكان يعرف من نفسه أنه لا أحد يقرر أن يتعدى عليه لكونه ملك العرب ولا سيما وطريق المراكب التي فيها الهدايا في البحر الذي في مراكبه مملكة القسطنطينية وهي متوجهة غليه وليس في سواحل ذلك البحر إلا رعاياه ،
فلما جهز المركبين سافر إلى أن قربا من بلادنا فخرج عليهما بعض قطاع الطرق من تلك الأرض وفيهم عساكر من عند صاحب قيسارية فأخذوا جميع ما في المركبين من التحف والأموال والذخائر والثلاث خرزات وقتلوا الرجال فبلغ ذلك ملكنا فأرسل إليهم عسكراً فهزموه ، فأرسل إليهم عسكراً أقوى من الأول فهزموه أيضاً .


فعنذ ذلك اغتاظ الملك وأقسم أنه لا يخرج إليهم إلا بنفسه في جميع عسكره وأنه لا يرجع عنهم حتى يخرب قيسارية ويترك أرضها وجميع البلاد التي يحكم عليها ملكاً والمراد من صاحب القوة والسلطان الملك عمر النعمان أن يمدنا بعسكر من عنده حتى يصير الفجر وقد أرسل إليك ملكنا معنا شيئاً من أنواع الهدايا ويرجو من إنعامك قبولها والتفضل عليه بالإنجاز .
ثم أن الرسل قبلوا الأرض بين يدي الملك عمر النعمان .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .









إلى اللقاء مع الليله القادمه
 

DeletedUser32224

Guest

الليلة الثانية والستين



تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان




قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن رسل ملك القسطنطينية قبلوا الأرض بين يدي الملك عمر النعمان بعد أن حكوا له ثم أعلموه بالهدية وكانت الهدية خمسين جارية من خواص بلاد الروم وخمسين مملوكاً عليه أقبية من الديباج بمناطق من الذهب والفضة وكل مملوك في أذنه حلقة من الذهب فيها لؤلؤة تساوي ألف مثقال من الذهب والجواري كذلك وعليهم من القماش ما يساوي مالاً جزيلاً ، فلما رآهم الملك قبلهم وفرح بهم وأمر بإكرام الرسل وأقبل على وزرائه يشاورهم فيما يغفل فنهض من بينهم وزير وكان شيخاً كبيراً يقال له دندان فقبل الأرض بين يدي الملك عمر النعمان وقال :
أيها الملك ما في الأمر أحسن من أنك تجهز عسكراً جراراً وتجعل قائدهم ولدك شركان ونحن بين يديه غلمان هذا الرأي أحسبن لوجهين


الأول أن ملك الروم قد استجار بك وأرسل إليك هدية فقبلتها ، والوجه الثاني أن العدو لا يجسر على بلادنا فإذا منع عسكرك عن ملك الروم وهزم عدوه ينسب هذا الأمر إليك ويشيع ذلك في سائر الأقطار والبلاد ، ولا سيما إذا وصل الخبر إلى جزائر البحر وسمع بذلك أهل المغرب فإنهم يحملون إليك الهدايا والتحف والأموال .
فلما سمع لملك هذا الكلام من وزيره دندان أعجبه واستصوبه وخلع عليه وقال له :
مثلك من تستشيره الملوك ينبغي أن تكون أنت في مقدم العسكر وولدي شركان في ساقة العسكر .
ثم إن الملك أمر بإحضار ولده فلما حضر قص عليه القصة وأخبره بما قاله الرسل وبما قاله الوزير دندان وأوصاه بأخذ الأهبة والتجهيز للسفر وأنه لا يخالف الوزير دندان فيما يشور به عليه وأمره أن ينتخب من عسكره عشرة آلاف فارس كاملين العدة صابرين على الشدة فامتثل شركان ما قاله والده عمر النعمان وقام في الوقت واختار من عسكره عشرة آلاف فارس ثم دخل قصره وأخرج مالاً جزيلاً وأنفق عليهم المال وقال لهم : قد أمهلتكم ثلاثة أيام .


فقبلوا الارض بين يديه مطيعين لأمره ،
ثم خرجوا من عنده وأخذوا من الأهبة وإصلاح الشأن ثم إن شركان دخل خزائن السلاح وأخذ ما يحتاج إليه من العدد والسلاح ،
دخل الإصطبل واختار منه الخيل المسالمة وأخذ غير ذلك وبعد ذلك أقاموا ثلاثة أيام ثم خرجت العساكر إلى ظاهر المدينة وخرج الملك عمر النعمان لوداع ولده شركان فقبل الأرض بين يديه
وأهدى له سبع خزائن من المال وأقبل على الوزير دندان وأوصاه بعسكر ولده شركان فقبل الأرض بين يديه وأجابه بالسمع والطاعة وأقبل الملك على ولده شركان وأوصاه بمشاورة الوزير دندان في سائر الأمور ،
فقبل ذلك ورجع والده إلى أن دخل المدينة ، ثم إن شركان أمر كبار العسكر بعرضهم عليه وكانت عدتهم عشرة آلاف فارس غير ما يتبعهم ثم إن القوم حملوا ودقت الطبول وصاح النفير وانتشرت الأعلام تخفق على رؤوسهم ولم يزالوا سائرين والرسل تقدمهم إلى أن ولى النهار وأقبل الليل ، فنزلوا واستراحوا وباتوا تلك الليلة .


فلما اصبح الصباح ركبوا وساروا ولم يزالوا سائرين ، والرسل يدلونهم على الطريق مدة عشرين يوماً ثم أشرفوا في اليوم الحادي والعشرين على واد واسع الجهات كثير الأشجار والنبات ،
وكان وصولهم إلى ذات الوادي ليلاً فأمرهم شركان بالنزول والإقامة فيه ثلاثة أيام فنزل العساكر وضربوا الخيام وافترق العسكر يميناً وشمالاً ونزل الوزير دندان وصحبته رسل أفريدون ، صاحب القسطنطينية ،
في وسط ذلك الوادي وأما الملك شركان فإنه كان في وقت وصول العسكر ، وقف بعدهم ساعة حتى نزلوا جميعهم وتفرقوا في جوانب الوادي ثم إنه أرخى عنان جواده وأراد أن يكشف ذلك الوادي ، ويتولى الحرس بنفسه لأجل وصية والده إياه فإنهم في أول بلاد الروم وأرض العدو فسار وحده بعد أن أمر مماليكه وخواصه بالنزول عند الوزير دندان ثم إنه لم يزل سائراً على ظهر جواده في جوانب الوادي ، إلى أن مضى من الليل ربعه فتعب وغلب عليه النوم فصار لا يقدر أن يركض الجواد وكان له عادة أنه ينام على ظهر جواده .


فلما هجم عليه النوم نام ولم يزل الجواد سائراً به إلى نصف الليل فدخل به في بعض الغابات وكانت تلك الغابة كثيرة الأشجار فلم ينتبه شركان حتى دق الجواد بحافره في الأرض فاستيقظ فوجد نفسه بين الأشجار ، وقد طلع عليه القمر وأضاء في الخافقين فاندهش شركان لما رأى نفسه في ذلك المكان وقال كلمة لا يخجل قائلها وهي :
لا حول ولا قوة إلا بالله .
فبينما هو كذلك خائف من الوحوش متحير لا يدري أين يتوجه فلما رأى القمر أشرف على مرج كأنه من مروج الجنة سمع كلاماً مليحاً وصوتاً علياً وضحكاً يسبي عقول الرجال فنزل الملك شركان عن جواده في الأسحار ومشى حتى أشرف على نهر فرأى فيه الماء يجري وسمع كلام امرأة تتكلم بالعربية وهي تقول :
وحق المسيح إن هذا منكن غير مليح ولكن كل من تكلمت بكلمة صرعتها وكتفتها بزنارها .
كل هذا وشركان يمشي إلى جهة الصوت حتى انتهى إلى طرف المكان ثم نظر فإذا بنهر مسرح وطيور تمرح وغزلان تسنح ووحوش ترتع والطيور بلغاتها لمعاني الحظ تنشرح وذلك المكان مزركش بأنواع النبات ، فقال هذه الأبيات :

ماتحسن الأرض إلا عند زهرتـها ........ والماء من فوقها يجري بإرسال
صنعا الاله العظيم الشأن مقـتـدرا ........ معطى العطايا ومعطي كل من فضال


فنظر شركان إلى ذلك المكان فرأى فيه ديراً ، ومن داخل الدير قلعة شاهقة في الهواء في ضوء القمر وفي وسطها نهر يجري الماء منه إلى تلك الرياض وهناك امرأة بين يديها عشر جوار كأنهن الأقمار وعليهن من أنواع الحلي والحلل ما يدهش الأبصار وكلهن أبكار بديعات كما قيل فيهن هذه الأبيات :

يشرق المرج بما فيه ........ من البيض العـوال
زاد حسناً وجـمـالاً ........ من بديعات الخلال
كل هيفاء قـوامـا ........ ذات غـنـج ودلال
راخيات الشـعـور ........ كاعناقيد الـدوالـي
فاتـنـات بـعـيون ........ راميات بالـنـبـال
مائسـات قـاتـلات ........ لصناديد الـرجـال


فنظر شركان إلى هؤلاء العشر جوار فوجد بينهن جارية كأنه البدر عند تمامه بحاجب مرجرج وخبير أبلج وطرف أهدب وصدغ معقرب فأنشد :

تزهو علي بألحـاظ بـديعـات ........ وقدها مخجل للسـمـهـريات
تبدو إلينـا وخـداهـا مـوردة ........ فيها منا لظرف أنواع الملاحات
كأن طرتها في نور طلعتـهـا ........ ليل يلوح على صبح المسرات




فسمعها شركان وهي تقول للجواري :
تقدموا حتى أصارعكم قبل أن يغيب القمر ويأتي الصباح .
فصارت كل واحدة منهن تتقدم إليها فتصرعها في الحال وتكتفها بزنارها فلم تزل تصارعهن وتصرعهن حتى صرعت الجميع ثم التفتت إليها جارية عجوز كانت بين يديها وقالت لها وهي كالمغضبة عليها :
يا فاجرة أتفرحين بصرعك للجواري فها أنا عجوز وقد صرعتهن أربعين مرة فكيف تعجبين ينفسك ولكن إن كان لك قوة على مصارعتي فصارعيني فإن أردت ذلك وقمت لمصارعتي أقوم لك وأجعل رأسك بين رجليك .
فتبسمت الجارية ظاهراً وقد امتلأت غيظاً منها باطناً وقامت إليها وقالت لها : يا سيدتي ذات الدواهي بحق المسيح أتصارعينني حقيقة أو تمزحين معي ?
قالت لها : بل اصارعك حقيقة .




وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .









إلى اللقاء مع الليله القادمه







 
أعلى