أواهُ يا أمي
|
يا من حملتي عني همي
|
وغّمّكِ _من غير ذنبٍ منكِ_غمّي
|
وتكوّن منكِ لحمي ودمّي
|
أواه يا أمّي
|
سمّي عليّ _فداك القلبُ_ سمّي
|
إني أريد أن أشمّكِ يا أمّي
|
على جيوب ثيابي
|
على أطراف كُمّي
|
أواه يا أمّ فارس
|
من قال أني في شهر مارس
|
أهيم على كل مُدَارسٍ وَمُجَالَس
|
ضميني , ضميني
|
إن برد هذا العام قارس
|
دعها يا أبي
|
إنها أمي
|
إنها ابنةُ ملاعب الأسنّة
|
المطلق فوق ظهور الخيل الأعنّة
|
ومن جعل الله تحت أقدامها الجنّة
|
دعها يا أبي
|
إنها ابنة عامر بن صعصعة
|
إنها أم البنين الأربعة
|
الضاربين الهام فوق الخيضعة
|
والمطعمون الجفنة المدعدعة
|
دعها يا أبي
|
إنها أمي
|
إنها ليست الشيخة
|
بل هي الأميرة والملكة
|
إنها أعظم ما خلّفهٌ جدي لي من الترِكة
|
إنها أعظم ما بُشّر بهِ بن آدمْ
|
وأعظم ما أجلّته الأعاربُ والأعاجمْ
|
هي الإلياذة
|
بل الشاهنامة
|
لالالا بل الإنياذة
|
إنها ذلك المخلوق الضعيف
|
الذي ذلّت لهُ أعناق الجبابرة
|
ورنت له أعين التبابعة
|
وخرّت له رقاب القياصرة
|
إنها ذلك المخلوق
|
الذي اهتزت له عروش الأكاسرة
|
دعها يا أبي
|
إنها أمي
|
إنها من حملتني في بطنها تسعة أشهرْ
|
إنها التي إذا ما يوماً أصابني الأبهر
|
وشكى من جورها المبطن على الظهر
|
تراني أنام وهي على جمرٍ تسهرْ
|
أواه يا أمي
|
سأسألكِ يا أمي
|
ما شأن تلك التسعة الأشهر؟
|
سأقول لكِ أنا ما شأنها :
|
في الشهر الأول:
|
كنتُ في رحمكِ نُطفة.
|
في الشهر الثاني:
|
كنتُ في رحمكِ مضغة.
|
في الشهر الثالث:
|
كنتُ في رحمكِ علَقَة.
|
في الشهر الرابع:
|
بدَأَت تتشكّل في رحمكِ ملامحُ آدميّتي
|
وبدَأَت تتكوّن في رحمكِ دلائلُ إنسانيّتي
|
في الشهر الخامس:
|
صدَقَت رؤياكِ
|
وعوّضكِ اللهُ مسعاكِ
|
وتوارد إلى ذهنكِ أنّ ما حملتيهِ ولَدْ.
|
فسبحان من لم يكن لهُ والدة ولا ولَدْ.
|
في الشهر السادس:
|
بدأتِ تبحثين لي عن اسم.
|
يحمل في مضمونهِ وسماً ورسمْ.
|
وقررتِ أن تسميني بسم أعزّ الخلق عليكِ
|
بعد أمكِ وأبيكِ
|
وأعظم ما نالكِ من والديكِ.
|
إنه اسمُ عمّكِ الناصر
|
المُهلك القياصر.
|
والواصل الأواصر
|
وكان لكِ الله قبل هذا قوةً وناصر
|
في الشهر السابع:
|
بدأ جنينكِ الناصر يداعب برجليهِ رحمكِ الرقيق.
|
يريدُ أن يشقّ له إلى الدنيا طريق.
|
فهو في رحمكِ يسبحُ كالغريق.
|
في الشهر الثامن:
|
أخَذَت مُشاكسة الناصر تبدو أكثر.
|
وكأنهُ بين اللحم المردوم يريدُ أن يظهر.
|
فقد كثُرَت من الجنين تقلّباته
|
وحركاتهُ غلبت سكناته
|
وأنتِ رغم الألم العظيم تبتسمين
|
وتهللين وتكبرين
|
وله بعين الرضا تقولين:
|
مهلاً جنيني
|
أنت لست في سجن !
|
أنت في رحم أمك
|
فلا يطول غمك وهمك
|
فستخرج قريباً إن شاء الله وترى أمك.
|
أعلمُ أنك أكثرت الحراكَ تريدُ الخروج.
|
وملاحقة الأطفال حول المروج.
|
فلطفاً بي , يا بنيّ
|
فأنا أشدّ إشفاقاً على رؤيتكَ منكَ يا نون عيني
|
فأسألك بالرحم الذي بينكَ وبيني
|
أن لا تقلق ولا تحزن
|
وأن لا تقتلني باشتياقي الدائم إليكْ.
|
وأن ترحمَ قلبي الهائم عليكْ.
|
في النصف الأول من الشهر التاسع:
|
بدأتِ ترسمين لجنينكِ مئات الصوَرْ.
|
وجعلتِ في خدّهِ حُمرةً وفي عينهِ حوَرْ.
|
رغم أنكِ تعلمين أنهُ ذكَرْ.
|
ومن أين للذكرِ ما ذُكِرْ ؟
|
إلا أنكِ من فرطِ حبكِ لهُ ووجدكِ عليهِ
|
جعلتيه على صورة يوسف في عمرعيسى وهيئة محمّد.
|
وهذا الجنين الشقيّ
|
لا يهدىْ من روع أمهِ
|
ولا يرعى سباتها
|
وبدأتِ يا أمي تحدثين نفسكِ من سيُشبهُ هذا الجنين؟
|
هل سيكون شبيهاً لأمه أوأبيه؟
|
أم سيكون شبيهاً لأختهِ أو أخيه؟
|
وكأني بكِ يا أمّي وأنتِ تحدثين نفسكِ وتقولين لها:
|
هو أغلى الكون عندي
|
سواءً شابهني أو شابه أباه.
|
أو قاربني أو قارب أخاه.
|
ثم تهمسين بصوت خافت_وانتِ تنظرين إلى الانتفاخ الحاصل بسببهِ في
|
بطنكِ_:
|
لله ما أجمله
|
لله ما أكمله
|
لله ما أحسنه
|
لله ما أفتنه
|
حتى وإن كنتُ لا أراه
|
ما أصعبه في رحمي وما أسهله.
|
وبدأتِ بعد ذلك باشتراء العشرات من الملابس لهُ
|
وهو لم يزل لحمةً نيّةً خلقها المولى من عنق بويضةٍ وصاحبها.
|
في النصف الأخير من الشهر التاسع:
|
يزداد النوحُ والألم.
|
والتعب والنصب والسقم
|
ليضج من النوح الأكم
|
وتسهرُ أمّ ناصر والناس نيام.
|
لتجاوب الصوت أطيار الحمام.
|
ولقد كانت نار صغيرها في رحمها
|
برداً وسلام.
|
فإذا بدأ الجنين بالاكتمال.
|
والامتثال والاعتدال.
|
وأخذ يتأهّبُ للخروج من ذلك القفص الإلهي
|
تحلُ حينئذٍ القدرة الإلهية
|
ومن ثمّ يأمر المولى القدير
|
السميع البصير
|
بخروج ذلك الطفل الصغير.
|
...
|
أتعلمين يا أمي ؟
|
لماذا خرجَ رأس ذلك الطفل قبل جسدِه_وهذا شيء لم يستطع الوصول إليه علم
|
أمسي ولا علمُ غدي_؟
|
لقد خرج رأسه قبل جسده نتيجة الوله العظيم الذي أصاب الجنين لرؤية أمهِ
|
. فقرر وهو في رحمها أن يراها بأي طريقة ولأن عينيهِ في رأسه أخرج رأسه
|
أولاً ليرى تلك المخلوقة العظيمة التي أنجبته. وأيضا لكي يكون في أول
|
خروج لهً إلى الدنيا ساجداً برأسهِ لله سبحانهُ وتعالى. فهو من أنشأه
|
من رحمِ تلك المرأة.
|
أتدرين يا أمي لماذا خرجتُ من رحمكِ وأنا أبكي؟
|
إنهُ من أجل أن تعجّلي بأخذي في أحضانكِ. وأن لا يلمسني أحدٌ قبلكِ .
|
ألا ليت الأمهات يدركن هذا الشيء مثلكِ.
|
أواهُ يا أمي
|
الآن فقد . أكاد أقتل نفسي
|
وأقطع رمسي
|
وأندبُ أمسي
|
لأني قلتُ لكِ في ذات يومٍ : أفّ
|
أواهُ يا أماه
|
بل واويلتاه واحسرتاه
|
كيف قلتها لكِ عند أتفهِ سبب.
|
وما قلتيها لي وقد رأيتِ الموت مني بلا سبب.
|
أواهُ يا أمي.
|
أواه كم تحمّلتِ غضبي
|
وأواه كم ذُقتِ بسببي
|
أواه يا أمي
|
سامحيني
|
سامحيني
|
سامحيني
|
إني مشتاقٌ إليكِ
|
فخذيني وقولي لي : هلمّ إليّ يا جنيني
|
والله يا أمي ما تمنيتُ أن أعود طفلاً
|
إلا لتحضنيني
|